الفائدة الثالثة عشرة :
وقوع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من فشو الكذب في آخر الزمان .
فقد انتشر الكذب ، ومما له صلة بالبحث الكذب في انتساب بعض القبائل الحديثة إلى قبائل قديمة لا صلة لها بها ، كما ظهر من بعض المغتصبين إنكار الأحلاف في قبيلته ، وغير ذلك كثير ، وقد جاء الأمر بتحريم انتساب الناس إلى غير أصولهم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كفر بامرءٍ ادّعاءُ نَسَبٍ لا يُعرف ، أو جَحدُهُ وإن دَقَّ ".
الفائدة الرابعة عشر :
هنا أثر مشتهر بين الناس ، ويكثر الاحتجاج به فطالما احتج به الكاذبون وهو : " الناس مؤتمنون على أنسابهم " وفي رواية " المؤمن مؤتمن على نسبه ".
وهذا من قول الإمام الكبير / مالك بن أنس - رحمه الله -، فليس حديثاً ولا من قول الصحابة قاله الإمام / مالك لخلاف بينه وبين / محمد بن إسحاق والرواية الثانية أقرب لكلام مالك ؛ لأن المؤمن عنده إيمان يمنعه من الكذب .
أما في هذه الأزمنة فليس هذا القول على إطلاقه لكثرة الكذب وانتشاره حتى عند الكتاب الذين يكتبون في أنساب قبائلهم .
الفائدة الخامسة عشرة :
خطر اتباع الهوى وأثره العميق في تغيير الحقائق فهو سبب رئيس في الكذب .
وقد ذم الله - تعالى - اتباع الهوى في القرآن الكريم وجاء التحذير منه في أكثر من موضع قال تعالى : ( ياداود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الّذين يضلون عن سبيل الله ) (4).
قال علي بن أبي طالب " إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة "، وقال الإمام مالك : " لا يؤخذ عن صاحب هوى ".
الفائدة السادسة عشرة :
ينبغي لمن يكتب عن أخبار القبائل وتاريخها مراعاة المصالح والمفاسد، فليس كل شيء يُدّون إذا كانت المصلحة الراجحة في عدم تدوينه كما ينبغي الابتعاد عن ذكر مثالب الناس ، أو تتبع عثراتهم .
الفائدة السابعة عشرة :
هناك بعض الحوادث لها أثر كبير في تحول القبائل وإثارة الحروب بينها وتشتتها ففي الجاهلية انهيار سد مأرب شتت قبائل سبأ في البلاد، ومثل: حروب عطفان أضعفها وقلل عددها ، ومثل : حروب اليمامة أضعفت بني حنيفة وكسرت قوتها ، وفتنة مقتل الخليفة الراشد / عثمان بن عفان أرجع العرب إلى الحروب وبمقتل / عمر بن الخطاب كُسر الباب ، وجرد السيف بين العرب إلى اليوم ، ومثل : معركة مرج راهط أثارت الحرب بين قيس وقضاعة ، مما جعل قضاعة تنتسب إلى قحطان ، وكانت من نزار .
الفائدة الثامنة عشرة :
ما تقوم به القبائل البدوية قديمًا من اعتداء على الناس وقطع الطريق وإفساد السبل ، أو الاعتداء على الحاج أو ما يحصل من حروب بينها كل ذلك من الجرائم والمنكرات العظيمة ، ومحاربة لله ورسوله . فلا تذكر للافتخار ، والتمجيد ، أو الإقرار بها ، أو تبريرها - كما يفعل بعض الكتّاب - بل يجب على المؤرخ أن ينكرها ، ويذكرها من باب الإخبار التاريخي مع بيان تحريمها ، وأنها ليست من الإسلام في شيء .
الفائدة التاسعة عشرة :
الحروب الدائرة بين القبائل في الإسلام حروب فتنة ليست في الإسلام في شيء وهي محرمة ، فلا يستدل عليها بآيات الجهاد كما يفعل بعض المتعصبين .
الفائدة العشرون :
لا يوجد قبيلة لا تهزم إطلاقاً فالقبائل العربية متكافئة ، والأيام دول وقد أحسنت الخنساء بنت عمرو السلمي حيث قالت :
وخيل تكدس بالدارعين
= وسط الغمامة يجمزن جمزا
جززنا نواصي فرسانها
= وكانوا يظنون ألا تجزا
ومن ظن ممن يلاقي الحروب
= بأن لا يضام فقد ظن عجزا
الفائدة الحادية والعشرون :
التعصب قديماً وحديثاً حمل بعض المؤلفين على تمجيد قبائلهم وأيامها والإشارة بها مع إهمال هزائمها ، وهضم أيام القبائل الأخرى ، حتى كأنك ترى أن هذه القبيلة لا تهزم ولا يوجد في الساحة قبيلة أخرى تنافسها لها ذكر . كما فعل ابن الحائك في أكاذيبه في كتبه وما أكثرهم في هذا العصر !
الفائدة الثانية والعشرون :
من أسباب نزوح قبائل الحجاز خاصة قبائل قريش ، وسكان مكة المكرمة ثوارث العلويين ففي المائة الثالثة لم يبق من قبائل مكة أحد كما أفاده ابن خلدون .
الفائدة الثالثة والعشرون :
على ما في أيام العرب في الإسلام من جرائم وكبائر إلا أنه يوجد عندهم خصال من مكارم الأخلاق منها : الصدق في الإخبار عن أيامهم ، والشجاعة وعدم الرضا بالضيم ، والغيرة على المحارم وعدم الحقد فيما بينهم إذا انتهت المعركة ، وعدم التعرض للأعراض ، كما أن حروبهم ليست حروب إبادة فما تنتهي المعركة ويحصل الصلح بينهم إلا وقد اختلطوا وتجاوروا وتمسكوا بالعهود والمواثيق فقلّ أن تجد قبيلة تغدر بالمواثيق والعهود ، ويُعد هذا في أعرافهم من أقبح الخصال .
الفائدة الرابعة والعشرون :
العرب الموجودة تتكون من جزءين لا ثالث لهما : اليمانية " القحطانية " والنزارية " العدنانية "، وقد حصل بين بعض القبائل نزاعات ومفاخرات وحروب خاصة في الشام والعراق استمرت عدة قرون مثل الحروب بين قيس وقضاعة .
وانتهت في حدود القرن الخامس تقريباً واختفت والحمد لله هذه النعرات والحروب ، وكان هناك بعض رؤوس الفتن من الشعراء تطاولوا على القبائل هذا يذم اليمانية والآخر يذم النزارية ، منهم / الكميت بن زيد الأسدي والطرماح بن الطائي ، ودعبل الخزاعي ، ومن آخرهم ابن الحائك المنتسب إلى همدان ، وقد انتهت الفتنة في هذه العصور فلا مكان بين المجتمع المسلم في هذا العصر لمن يمجدها أو ينشر أشعارها ، أو يُشيد بها .
وقد ظهر في هذا العصر بعض القوميين الذين يمجدون مثل هذه الكتب والأشعار كما فعل محقق كتاب شرح الدامغة .
كذلك لا مكان أيضًا لمن يدعو إلى العصبية القبيلة أو يتطاول على أي قبيلة عربية مسلمة ويجب على المسئولين تأديبه ومنع كتبه ؛ لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية منع إثارة الفتنة والمنازعات بين المسلمين . ويكتفى بالأخوة الإسلامية مع الانتساب إلى القبائل دون تعصب أو طعن على المسلمين .
الفائدة الخامسة والعشرون :
الحذر من كتب الشعوبيين وأصحاب النحل المنحرفة ، وتمحيص كتبهم وعدم الاعتماد على ما فيها من أخبار وأقوال إلا بعد التثبت والتحقيق ومقارنتها بالمصادر الأخرى الموثوقة .
ومن هؤلاء : الأصفهاني صاحب الأغاني ، والجاحظ ، وأبوعبيدة ، وابن الحائك وغيرهم كثير .
الفائدة السادسة والعشرون :
إهمال الدولة العباسية للعرب ، واعتمادها على الأعاجم حتى أن صاحب الدعوة العباسية إبراهيم أوصى أبا مسلم الخرساني ألا يدع عربيًا في خرسان إلا قتله .
مما جعل القبائل العربية تحنق على العباسيين ، وتقع فريسة للثوار على الدولة من الزنادقة ، وقطاع الطرق ، كما حصل في ثورة صاحب الزنج ، والقرامطة ، وثورات العلويين والعبيديين غيرهم .
الفائدة السابعة والعشرون :
كانت مواطن القبائل العربية عند مبحث النبي صلى الله عليه وسلم عنهم معروفة ، واستمر ذلك في صدر الإسلام مع تغير طفيف بسبب الفتوحات الإسلامية ، ثم حصل تغير كبير جدًا لمواطن القبائل ، فكثرت الهجرات في القرن الثالث والرابع وما بعدهما من الجزيرة العربية إلى الشام والعراق ومصر .
وحصل تغيّر جذري لمعالم نجد والحجاز في القرن الرابع والخامس والسادس . فاختفت قبائل وظهرت قبائل حديثة ، واندثرت قرى في نجد والحجاز وعمّر قرى أخرى .
الفائدة الثامنة والعشرين :
الأصل في اتجاه ورحلات القبائل البدوية من الجنوب إلى الشمال ، والشرق الشمالي والغرب الإسلامي ، إلا أنه يوجد هجرات معاكسة ، كما حصل في عهد القرامطة حينما تسلطوا على أهل نجد والحجاز ، مما جعل القبائل تتجه إلى الجنوب للأماكن الجبلية البعيدة عن وطأة القرامطة ، خاصة قبائل بني عامر بن منصور .
وكما حصل من طرد لبعض قبائل ربيعة في العراق في آخر القرن الثاني فاتجهوا إلى الحجاز ، وكما حصل في القرن الثامن من نزوح بعض قبائل طي من الشام إلى الحجاز ونجد .
الفائدة التاسعة والعشرون :
أن القبيلة العربية إذا كثرت ، وتفرعت أصبحت لا تنتسب إلى القبيلة الأم وإنما ينتسب كل فرع إلى فرعه ، وقد يُنسى مع طول الزمن ، وانتشار الجهل معرفة نسبها الأصلي . وهذا هو الحاصل في أنساب كثير من القبائل الحديثة .
الفائدة الثلاثون :
قول المؤرخ عن قبيلته أرجح من غيره إذا لم يعرف بالكذب ، أو اتباع هوى أو تعصب لقبيلته ، فهذه العوامل لها أثر كبير في إخفاء الحقائق عند المؤلف وهذا أمر ظاهر في بعض كتب النسب القديمة والحديثة .
الفائدة الحادية والثلاثون :
علم النسب من العلوم التي تحتاج إلى رحلات ، وزيارات للقبائل الذين يُدوّن نسبهم ، وكلما كان المؤلف قريباً من مواطن القبيلة التي يؤرخ عنها كلما كان قوله أسلم ، وأرجح إذا لم يعرف بالكذب .
لذلك نجد أكثر العلماء أعرضوا عن هذا العلم حفظاً لوقتهم لما هو أهم وأعلى درجة من علم النسب .
الفائدة الثانية والثلاثون :
هناك شح ظاهر جداً في مصادر علم النسب لقلة الذين يؤلفون فيه فالكتب القديمة لم تستقص جميع فروع وبطون القبائل خاصة القبائل الكثيرة مثل : قبائل منصور ، وتميم ومذحج وغيرهم .
إضافة إلى صعوبة التنقل ، وضعف الأمن ، وبعد منازل القبائل عن مواطن المؤلفين خاصة الذين ألفوا في العراق ، أو الشام ، أو الأندلس ، والقبائل الذي يؤلف عنها في نجد أو اليمن .
الفائدة الثالثة والثلاثون :
أشهر من دون في علم النسب قديماً ، ووصلت إلينا كتبه هشام الكلبي ( ت : 204ه ) وهو وأبوه محمد بن السائب من أهل النسب غير أنهما في ميزان الجرح والتعديل من المتروكين الكذابين صاحبا نخلة فاسدة تتخذ الكذب ديناً ، ومع ذلك اعتمد أكثر الذين جاءوا من بعده على كتبه ، وهذا لا يعني أنه استقصى جميع فروع القبائل بل أن كتابه متقدماً لا يُفصل عن الفروع والبطون الموجودة في القرن الثاني وما بعده .
الفائدة الرابعة والثلاثون :
القبيلة هي التي تفرض نفسها على المؤرخين ؛ وذلك إذا أصبحت قويّة ، وذات فروع كثيرة ، وكثر شعراؤها وفرسانها ؛ فلا يمكن أن تكون قبيلة اشتهرت بالانتصارات ، إلا ولها شعراء يتغنون بأمجادها .
وعلى ذلك يدون أخبارها المؤرخون ، خاصة إذا كانت قريبة من المدن . كطيبة ، ومكة ، والكوفة والبصرة . وغيرها .
الفائدة الخامسة والثلاثون :
استعلا قبائل مضر ، ومفاخرتهم على بقية القبائل والشعوب استعداء عليهم الناس ، فكثرت الكتابة عن مثالبهم من الشعوبيين وغيرهم . وتسلط أبو مسلم الخرساني عليهم في بلاد خرسان ، وتشتت أمرهم وضعفت شكوتهم ، ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عنهم .
الفائدة السادسة والثلاثون :
الأصل في مؤلفي المسلمين العدالة والصدق والأمانة فيما يذكرونه مما له صلة بعلم أنساب القبائل وأيامهم ، ما لم يعرف عنهم الكذب ، أو اتباع الهوى الذي له أثره الكبير في إخفاء الحقائق ، والتحامل على الآخرين ويعرف ذلك عن المؤلف من خلال كتبه أو أقوال العلماء فيه ، وهذا لا يعني أنهم لا يقعون في الخطأ ، بل كل يؤخذ من قوله ويرد ما عدا المعصوم صلى الله عليه وسلم عنهم كما قال الإمام مالك - رحمه الله .
الفائدة السابعة والثلاثون :
من الضوابط المهمة في علم الأنساب . معرفة سبب التأليف عند المؤلف فهناك من يؤلف لنشر العلم والمعرفة ، وهناك من يؤلف للتكسب ، وهناك من يؤلف عصبية لقومه ، أو طائفته ، ويظهر أثر ذلك في الكتاب ، وهذا أمر واضح لكل قارئ يهتم بالأنساب يعرف في كل مؤلف أو مقال أو نحو ذلك .
الفائدة الثامنة والثلاثون :
في مصادر علم النسب : لا بد لأي باحث يكتب في علم أنساب القبائل أن يستقري جميع المصادر استقراء تامًا وإلا حصل في مؤلفه خلل وتعقب كبير ومن المصادر كتب التاريخ والأدب ، وكتب الحديث وشروحها ، وكتب التفسير ، وكتب اللغة ومعاجمها ، ودواوين الشعر ، وكتب الرحلات ، ومعاجم البلدان ، وكتب التراجم والأعلام ، وكتب الأنساب ، وكتب المغازي والسير .
الفائدة التاسعة والثلاثون :
يشترط في من يؤلف في الأنساب ما يشترط في غيرها من العلوم من الموضوعية والبحث العلمي ومن الأمانة والصدق والإنصاف واحترام آراء الآخرين المبنية على المنهج العلمي ، وألا يهضم حق الآخرين ، وألا يتصرف في نصوص المؤلفين لحاجة في نفسه . وغير ذلك من الشروط التي يجب توافرها في المؤلف أو الباحث . وللبحث صلة .
http://www.alriyadh.com/2008/08/15/article367454.html
منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .