استطاع علم الاجتماع الغربي بمناهجه وفروضه ونظرياته ومفهوماته وتصوراته وتفسيراته المناهضة في كثير من جوانبها العقيدة الاسلامية أن ينشئ له امتدادات سرطانية في معظم جامعات العالم الاسلامي وقد وصل إلى تحقيق الكثير من مقاصده في غيبة الوعي الاسلامي عند القائمين بأمر الجامعات الاسلامية. وإنّ من أكبر التجاوزات التي تقع فيها العلوم الاجتماعية وعلى رأسها علم الاجتماع هو استبعاد الدين واخضاعه للدراسة كظاهرة اجتماعية وهذا ما زاد في حيرة وتخبّط علماء الاجتماع المسلمين لأنهم أخضعوا أنفسهم لمنهجية غربية يسلّمون بها وكأنها وحي منزّل وفي نفس الوقت يعلمون مدى تكامل الدين الاسلامي وصلاحيته لكلّ زمان ومكان فهم ينتقدون أفكار الغربيين ولكنّهم يدورون في فلكهم.
لكن الإشكال ليس في عدم خضوع علم الاجتماع للدين فقط ولكن الإشكال يكمن في جدوى علم الاجتماع ، لقد مرّ إلى الآن أكثر من قرن ونصف من ظهور علم الاجتماع وصنفت النظريات وألفت الكتب لكن إلى حد الآن ما زال علم الإجتماع يتخبّط بين الفلسفة ومحاولة إخضاع هذه الظواهر لنفس مناهج العلوم الطبيعية. فما معنى أن يستغرق علم الاجتماع بحثا ليثبت لنا أن العمل الجماعي أكثر إنتاجية من العمل الفردي؟
إنّ علم الاجتماع هو العلم الذي يأخذه كلّ واحد منّا ويصيغها في عبارات لا يفهمها أيّ أحد منّا، ولقد قرأت ذات يوم 50صفحة تحت عنوان تعريف العمل ولم أجد ما هو تعريف العمل.
إنّ علماء الاجتماع لا يفعلون أكثر من التعبير عن كلّ ما هو واضح بطريقة معقّدة وغامضة.
لقد صوّرت لنا العلوم الاجتماعية على أنّها علوم عالمية تقوم على الموضوعية وتعتمد على قاعدة قويّة من المعلومات على سائر المجتمعات البشرية وهذا تصوّر أو ادّعاء غير صحيح لأنّها تعتمد فقط على خبرة المجتمعات الغربية وحدها.
إنّ الاجتماعيين العرب يعانون من عدم وضوح الرؤية في النظرية والبحث المنهجي فهم يميلون في معظم الأحيان إلى نقد كلّ ما يطرح دون التوصل إلى نظريّة للمجتمع العربي. فالوضع الراهن لعلم لاجتماع في البلاد العربية وضع مؤسف إلى حدّ كبير نظرا للتحدّيات التي يواجهها، ونظرا لأنّ كثيرا من الأساتذة متأثرون غالبا بالنظريات الغربية والمستوردة والدخيلة على المجتمعات العربية ، فرجال الاجتماع في بلادنا لا ينتجون علما حقيقيا وإنّما يستوردون الأفكار ويستهلكونها دون تبصّر كما يستهلكون قطع غيار السيارات.
ولقد كان أولى لعلماء الاجتماع والاجتماعيين المسلمين أن يتمرّدوا على المنهجية الغربية ويخضعوا لمنهجية إلى منهجية اسلامية إذا كانوا حقّا يريدون مصلحة مجتمعاتهم .
بل إنّني أرى أنّ كلّ ما قدّمه الاجتماعيون في بلادنا من أجل إصلاح المجتمعات كما يقولون يمكن أن نلخّصه في جملة واحدة أخبرنا الله تعالى فيها بشرطين أساسيين لازدهار المجتمعات وحياتها.
قال تعالى : ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون.
هذا مجرّد رأي لطالب في علم الاجتماع .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.