المنتدى الإسلاميفتاوى ، مقالات ، بحوث اسلامية لكبار العلماء وستجد ايضا معلومات عن الفرق الضالة والأديان بما في ذلك الديانة النصرانية واليهودية والمجوسية وغيرها
خلال مؤتمر الحرية طريق الريادة
العودة: الحرية أحد مقدسات المسلمين
تقرير:نهال محمود مهدي
ضمن فعاليات مؤتمر مؤسسة الإبداع الأسرية السابع "الحرية طريق الريادة" الذي أقيم بالكويت.
مع بداية الحديث أشار " الشيخ سلمان العودة إلى أنه بلور أفكاره وجمع آراءه حول هذا الموضوع في نقاط تحمل كل منها قدرًا مما يود طرحه في هذا الشأن.
في البداية أشار العودة إلى أن التيه الذي تعيشه الأمة الآن أمر تناوله الكثيرون بالبحث والدراسة، ومنذ أن كتب الأمير شكيب أرسلان كتابه الشهير "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وكتبت العديد من المجلات العربية والإسلامية قبل مائة عام عن أسباب النهضة.. ما زالت المجلات والكتب تصدر وتردد الأسئلة ذاتها؛ وهو ما يدل على أننا حتى الآن لم نضع أيدينا بشكل حاسم على مكمن الخلل وموضع الداء في الأمة.
ونبه إلى أنه لا يكفي القول دائما بأن السبب فيما أصابنا ويصيبنا هو البعد عن الإسلام.. برغم أن الجملة تحمل قدرًا كبيرًا من الصواب، لكن يجب أيضا أن ندرك أن البعد عن الإسلام هو سبب ونتيجة في نفس الوقت، كما يجب علينا أن نحدد بالضبط الجانب الأكبر الذي ساهم في ذلك البعد ولعله جهالة كثير من المسلمين في تحديد المفاهيم الإسلامية الصحيحة التي ينبغي أن يعملوا بها.
وعليه فإنه لا بد من دراسة الحال ومعرفة الأسباب، ولا بد كذلك من تفصيل لباس خاص ينطبق على جسد الأمة الآن ويصلح لها؛ بابتكار الحلول من القرآن والسنة ومن التجربة البشرية فهذا هو التحدي وهو الإبداع.
الإبداع
والتقط العودة الخيط الأول في موضوع الندوة عندما أشار إلى أننا نعاني من "غياب الإبداع" رغم أنه مطلب شرعي حث عليه الكتاب والسنة؛ فحينما يقول تعالى: {علم الإنسان ما لم يعلم} فهذه إشارة إلى قدرات الإنسان الفائقة، وأن من أعظم ميزات آدم تفوقه في العلم بل ذلك هو ما ميزه على الملائكة، وحينما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"؛ ففي الحديث إشارة صريحة إلى أن على الإنسان أن يتعلم شئون الدنيا وأن الرسل لم يبعثوا ليعلموا الناس كيف يزرعون ولا كيف يحرثون ولا كيف يكتشفون الكواكب والمجرات، إنما بعثوا ليعلموا الناس أمور أخراهم، وفي الوقت نفسه يشجعونهم ويحفزونهم على اكتساب المهارات والمعارف وأسباب التعاطي مع الحياة بإيجابية وتفاؤل.
الحرية حريتان
ثم أفرد الحديث عن لفظ "الحرية" وقضاياه، مشيرًا إلى أنه لفظ شرعي ورد في القرآن بمشتقات مختلفة كما في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي}، إلا أن المضمون وجد بشكل أكبر في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ}، واستطرد العودة: "الحرية هي الكمال.. هي السمو.. هي الترقي.. هي الأمانة والمسئولية.. هي تحرير القدرات والطاقات من الفرد والجماعة وإطلاق عقالها.. هي الروح الثانية في الإنسان المتممة لمعنى الإنسانية، وبفقدها يموت الإنسان موتًا معنويًا كما يموت الجسد موتا ماديا بفقد الحياة".
ثم قسم العودة الحرية إلى نوعين:
* حرية فردية تعني حق الإنسان في إثبات وجوده والتعبير عن نفسه وإبراز مواهبه وإبداعاته وخلوصه من سطوة النفس ومن سطوة الآخرين؛ فليس أفسد للحرية من أن يكون الإنسان معتقلا من الداخل أو واقعا تحت أسر الهوى والأنانية.
* وحرية اجتماعية وهي حق الإنسان في بناء المجتمع وتكوين الهيئات والمؤسسات والأنظمة.
ونبه على أنه لا يمكن بحال إطلاق الحرية الفردية لأن المجتمعية أحيانا ما تقيدها؛ فليس مقبولا أن تثار النزاعات الطائفية أو القبلية تحت شعار "حرية الرأي"، أو التحدث بلغة عنصرية تحت ذريعة "حرية التعبير"؛ فهي أمور وإن كانت تندرج تحت باب حرية الفرد فإنها تدمر حرية المجتمع بأكمله؛ فحرية الفرد رغم اتساع مساحتها عليها أن تختفي إذا تعارضت مع حرية المجتمع، وعليه فلا وجود لما يعرف بـ"الحرية المطلقة".
ورغم ذلك أقر العودة بأن الظروف الاجتماعية التاريخية في عالمنا الإسلامي -الذي كان مركز الحضارة والإبداع وله الصدارة والريادة على مدى 10 قرون- وأدت كثيرا من الحريات، ولا أدل على ذلك مما واجهه علماء المسلمين ردا على أفكارهم أو مؤلفاتهم أو فتاواهم؛ وهو ما يصلح أن نقتبس منه أن كثيرا من الخلفاء على الرغم من إنجازاتهم في الفتوحات والتنظيمات الميدانية كانوا أميل إلى التسلط وتغليب جانب الأمن على جانب الحقوق.
شبهة ورد
وبالرغم مما يكمن في المجتمع من قدسية تقف أمامها حرية الفرد عاجزة أوضح العودة أن هناك قدسية أعلى من قدسية المجتمع ذاته وهي المقدسات الشرعية للأمة وقطعياتها وثوابتها تلك التي لا يجوز بحال من الأحوال مسها أو انتهاكها بدعوى حرية الرأي.
وقد أثار العودة شبهة يرددها البعض مفادها أنه "لا أحد يملك الحق في الانفراد بالحديث عن مقدسات الأمة الشرعية وأنه لا تفويض لديه من الله؛ فالمقدسات ملكية عامة للمسلمين جميعا".. ورد عليها قائلا: "إذا كانت مقدسات المسلمين ملكية عامة فالحرية إحدى هذه المقدسات، ولا يصح أن ينفرد بالكلام عنها شخص بعينه؛ فقضية النبوة أو الألوهية من القطعيات الإيمانية المسلمة، وهناك سقف للحرية يجب أن يكون متفقا عليه بين جميع المسلمين.. وعليه فلا يصح أن تؤلَّف كتب ذات عناوين صارخة تقذف المسلمين في أعز ما ينتمون إليه وتستمد إثارتها من ملامسة المقدس الشرعي".
وأوضح كذلك أن الصراع في مجتمعاتنا الآن يقع أحيانا بين من يوسعون نطاق الحرية ولا يؤمنون بمحدوديتها أصلا ومن يوسعون نطاق الثوابت والمسلمات الشرعية.. فليس مقبولا أن يتحدث الإنسان عن حرية خاصة به ويدعي أن من حقه القول ولا يؤمن بحرية الآخرين في حقهم أن يجادلوه أو يناقشوه أو يختلفوا معه، وإلا تحولت الحرية إلى شعار نرفعه أحيانا حينما نريد.. بل يجب أن تنبع الحرية من داخلنا فنتحرر من سلطة الأنا ومن الهوى ومن الغضب المرضي لأنفسنا، كما يجب الحذر كذلك من أبواق بعض المؤسسات الإعلامية التي باتت مسلطة على عقول الناس تروج لمفاهيم وآراء مغلوطة، وتدعي الحرية وهي نقيضها لكونها تصادر حرية الإنسان في الفكر شيئا فشيئا لا يشعر الإنسان تجاهه برفض أو مقاومة.
غير متصل
