د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني
عبدالعزيز إسماعيل داغستاني
تكشف الأزمة المالية، بشكل خاص، الكثير من مواطن الخلل في الاقتصاد، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي، بل على المستوى الدولي بشكل عام. عصفت بالاقتصاد الأمريكي أزمة مالية خانقة في شهر سبتمبر 2008م الماضي، أجبرت الحكومة الفيدرالية على التدخل لوقف الانهيار المالي وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي. وكان العالم كله يترقب وهو في خوف وتوجس، فما يعيب الاقتصاد الأمريكي ينسحب على كثير من اقتصاديات العالم، بحكم قوة الاقتصاد الأمريكي وسيطرة قطاعه المالي ونفوذ شركاته وتوسع أعمالها في جميع أنحاء العالم. ودخلت أزمة السوق المالية أجندة صراع الإنتخابات الأمريكية، وأشعلتها، فدعى چون ماكِّين، المرشح الجمهوري، إلى تشكيل جهاز متخصص لإدارتها، ودعا باراك أوباما، المرشح الديموقراطي، إلى إعادة النظر في السياسة المالية. وتصدى الرئيس الأمريكي، چورچ بوش، للمسألة وقدم خطة إنقاذ. لهذا نقول إن الأزمات المالية تكشف الكثير من مواطن الخلل في الاقتصاد، ولا يتنبه المسؤولون، في الغالب، إلى المشكلة إلاَّ عند حدوثها، ولا يتحركون إلاَّ بعد حدوثها. وكثيراً ما يكون العلاج أكثر كلفة من الوقاية، وإن كان أفضل من الإهمال. وإذا كان هذا ما حصل في الدولة الرأسمالية الأولى، في الاقتصاد العالمي الأول والأكبر، فلا شك أن حال الدول النامية حدث ولا حرج. تعصف بها الأزمات تلو الأزمات، والخسائر تلو الخسائر، ويغيب العلاج، وتضعف الوقاية، ولا يتعلم الناس من الأزمات، ولا يستفيدون من التجارب، ويتنصل المسؤولون من المسؤولية ويلقونها على شماعة الآخرين، ويدفع الاقتصاد الثمن.
ومما يزيد الطين بلَّة، في الدول النامية عموماً، ضعف الوعي الاقتصادي العام، وغياب آليات المسؤولية الاجتماعية، وتراخي المجتمع. ومما يضيف الإهانة على هذا الجرح، الدور السلبي الذي يقوم به الإعلام الاقتصادي، في الغالب، بسبب غياب الكاتب والمحلل الاقتصادي المتخصص. ولأن الاقتصاد أصبح مادة إعلامية رائجة، فقد دخل ساحته كثير من غير المتخصصين، فأصبحوا يكتبون فيما لا يعرفون، ومن يفتي فيما لا يعرف يأتي بالعجائب. ولم يقتصر هذا الأداء السلبي للإعلام الاقتصادي غير المتخصص، وغير المؤهل، على رداءة وضعف العرض والتحليل، بل تعداه إلى التوجيه الخاطئ وما يتبع ذلك من تبعات تضر بالاقتصاد والمجتمع برمته. وفيما يفترض أن يكون هؤلاء ناصحون لأولي الأمر، ومعينون لصاحب القرار بتقديم الرأي الصائب والمشورة الصادقة، ومساندون لعامة المجتمع بالتوجيه والإرشاد، جاء دورهم سلبياً في الغالب هامشياً أحياناً. ولعل فيما نسمعه أو نقرأه من غث القول من ثلة غير متخصصة تتسيد الرأي وساحة التحليل والتوجيه في أسواق المال، وغيرها، قد يفسر ضعف أداء السوق وسيطرة روح المضاربة عليه، وغياب أي رؤية استثمارية استراتيچية صحيحة، بل تعدى الأمر إلى ما يمكن اعتباره نوعاً من الكسب غير المشروع، بإصدار تقارير تقيِّم بعض أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية وتوجه إلى الاستثمار فيها، لتحقيق مصالح معينة، قد يكون خلفها مجموعات كبيرة تستثمر غياب الضمير وضعف الرقابة وحال السوق لتحقيق مكاسب على حساب الدهماء من المستثمرين الصغار. وهذا مثال تكشف فيه الأزمات المالية الكثير من مواطن الخلل في الاقتصاد. وعلى العقلاء أن يتحملوا مسؤوليتهم للكشف عن هذه المواطن وعلاجها، إذ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
مجلة عالم الاقتصاد
غير متصل
