في كل عام تطل على هذا الوطن ومواطنيه ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية لتعيد من خلالها إلى الأذهان هذا الحدث التاريخي المهم ويصبح الأول من الميزان من عام 1351هـ يوماً مشهوداً في ذاكرة التاريخ منقوشاً في ذهن ووجدان أبناء هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً كيف لا.. وهو اليوم الذي وحد فيه جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمه الله تعالى وطيب ثراه) أطراف هذا الكيان العظيم وحول الفرقة والتناحر (بعد إعانة الله تعالى) إلى وحدة واجتماع وتكامل. ووطننا الغالي يعيش هذه الأيام أجواء الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعاً (ذكرى اليوم الوطني) وهي مناسبة غالية على نفوسنا حيث سجل الملك الراحل مواقف عظيمة تعي فيها الأمة الكفاح والأمانة والقيادة، ووفاء شعب ونستلهم منها العبر والمواعظ البطولية التي سطرها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز (رحمه الله تعالى وطيب ثراه) الذي استطاع بفضل الله جل وعلا أولاً، ثم بما يتمتع به من حكمة وحنكة، أن يغير مجرى التاريخ، وسار ببلاده وشعبه إلى الوحدة والتطور والازدهار، متمسكاً بعقيدته الراسخة، ثابتاً على دينه وقيمه ومبادئه.
ولا ريب في أن الوطن مصلحة وضرورة لكل أبنائه، فالإنسان مدني بطبعه، والوطن هو المكان الذي تنشأ في ظلاله المدنية وتقوى، ويشعر الإنسان بوجوده، ومكانته، ولذلك فالوطن الذي يحقق شهوداً حضارياً يمنح أبناءه مكانة لا تتحقق لسواهم ممن يعيشون في بلد يغط في غياهب الجهل والانطفاء الحضاري.
دعائم إسلامية راسخة بفضل الله جل وعلا، وهو يتنفس قيم ومبادئ وتعاليم الإسلام، ويتجاوب مع امتداداتها، وقد رسخ في عقله الجمعي أنه النموذج العملي الحاضر - وربما يكون النموذج الوحيد - الذي يمثل الإسلام الآن، ولذلك فإذا أردنا بناء مواطنة سوية في هذا المجتمع يجب أن تكون مرتكزة على قواعد راسية وأصول متوازنة.
إن المفهوم الإيجابي للوطنية الذي نحتاجه بشدة في مجتمعنا السعودي يلزم لتحقيقه قدر كبير من النضج والوعي والفهم العميق لمجمل غايات ومقاصد الشريعة الإسلامية، عندئذ ندرك أن الوطنية الحقيقية تعني أهمية توافر جملة من المعاني والآداب الراقية الضرورية لتكوين مجتمع منظم متجانس، يتمتع أبناؤه بجملة من الحقوق من أبرزها ما يلي:
* التزام المواطنين بالبيعة لحاكمهم المسلم وطاعته في غير معصية الله تعالى.
* الدفاع عن الوطن والاستشهاد في سبيل الله ذوداً عنه ودفعاً لأهل الشر عن احتلاله.
* صيانة المكتسبات الشرعية في تطبيق الإسلام ودعمها والارتقاء بها.
* النظرة الإنسانية للآخرين، واحترام كرامتهم الأولية، فضلاً عن أخوتهم الإسلامية.
* صيانة حقوق الناس دماءً وأعراضاً وأموالاً وبيوتاً.
* حفظ الممتلكات العامة والخاصة والمنافع المشتركة من التخريب أو الإتلاف.
* التعاون المشترك بين الدولة والمواطنين من أجل تحقيق المصالح الشرعية لأهل البلد.
* تحقيق الدولة للعدالة والشورى، وتطبيق الشريعة في شؤون الحياة.
وينبغي تحقيق ذلك من خلال تبني خطة عمل وطنية شاملة ومتكاملة تهتم بغرس مفهوم المواطنة الصحيح في عقول ونفوس الناشئة، وتوجيه أفراد المجتمع كافة للمحافظة على هويتهم الإسلامية، وانتمائهم العربي، ولعل من الأهداف التي ينبغي أن تبرز في خطة العمل هذه توجيه أفراد المجتمع للمحافظة على هويتهم وانتمائهم لعقيدتهم وقيمهم ووطنهم، انتماء تغمره أحاسيس العزة والتضحية؛ لأن هذا الانتماء يعيد تشكيل حياة الفرد في ضميره الذي يصوغ أهم أبعاد شخصيته، كما أنه يعيد تشكيل حياة الفرد في الدولة والوطن الذي يعيش فيه، ويقوم بدور مهم في إخلاصه وجديته في العمل من أجل إثبات استحقاق نعمة العيش في ظلال هذا الوطن الذي أنعم الله تعالى بها عليه.
إن شعور الانتماء الوطني يعد من أهم المشاعر والروابط الفطرية التي ينمو ويكتسب ليشد الإنسان إلى وطنه الذي يعيش فيه، ومن الضروري للغاية تفعيل مناسبة ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية لغرس هذه المعاني الفاضلة للوطن والمواطنة في وجدان المواطنين جميعاً ولا سيما النشء الصغير الغض ليثب ويترعرع وقد امتلأ حباً لهذا الوطن العزيز الغالي فلا يقدم أبداً على أي قول أو عمل يضره أو يسيء إليه، بل يضحي في سبيل نصرته وإعلاء رايته بالغالي والنفيس خاصة عندما يترسخ في أعماقه أن حب الوطن من الإيمان.
وبهذه المناسبة الكريمة يسعدني ويشرفني أن أتقدم بخالص التهنئة لكل مواطن من أبناء مملكتنا العربية السعودية العزيزة الغالية على نفوسنا جميعا، كما يسعدني ويشرفني أن أتقدم بخالص التهنئة لمقام ولاة أمرنا حفظهم الله تعالى الذين يبذلون كل ما في وسعهم وطاقتهم من أجل نهضة هذا الوطن الغالي واستقراره، وعلى رأسهم مولاي خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه وأيد بالحق والنصر كل خطاه، وسيدي ولي عهده الأمين حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله ووفقه لكل خير وإلى جميع أفراد الأسرة المالكة.
والله تعالى من وراء القصد وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.
د. عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي *
* عميد كلية المجتمع في شقراء
جريدة الجزيرة
غير متصل
