محمد طيران من عسير
أخيرا جاء القرار لينتصر لمعصوب العينين "الجمال" الذي يدور حول نفسه مثقلا بالحمولة المستخدمة في عملية استخراج زيت السمسم, وهي الطريقة المتبعة في معاصر استخراج زيت السمسم في منطقة عسير وبعض مناطق المملكة.
وجاء القرار بعد سنين من الخدمة والدوران حول نفسها وبعد أن كانت تسمى "سفينة الصحراء"، حيث وجه الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير بإخراج الجمال من خدمة استخراج زيت السمسم لما في ذلك من إيذاء لها، ويأتي القرار من مبدأ الرفق بالحيوان الذي يحث عليه ديننا الإسلامي من خلال القرآن والسنة.
وكانت الاستعانة بالجمل في الدوران حول نفسه مثقلا بمعدة استخراج زيت السمسم قد خلقت مثلا يسمى به من يسعى دون تحقيق هدف معين حيث أخذ المثل الدارج "جمل المعصرة" ينتشر بين الناس واستعان به بعض شعار المنطقة في هجاء من يريدون هجاءه أو نعته بصفة سيئة.
ويأتي القرار بعد ملاحظة انتشار معاصر زيت السمسم في منطقة عسير وخاصة في تهامة بشكل ملفت للنظر من قبل العمالة الوافدة التي لا ترحم الحيوان ولا تمنحه الراحة ولا الغذاء الكافي وتحمله بالأخشاب والأحجار الثقيلة التي يجرها فتراه يدور حول نفسه على مدار الساعة معصوب العينين ظنا منه أنه يقطع الفيافي والبيد مجسدا اسمه الحقيقي الذي أطلق عليه من قديم الزمان "سفينة الصحراء".
ونص قرار أمير عسير على منع غير السعوديين من استخدام الجمال في عملية استخراج الزيت واستبدال الجمال بآلات حديثة كهربائية في حين نص القرار على السماح للسعوديين باستخدام الجمال في تلك العملية لما في ذلك من إحياء للتراث الذي تشتهر به المنطقة وما عرف عن أبناء المنطقة من حب ورحمة بالحيوان.
ولزيت السمسم عدة أسماء مثل الجلجلان والشيرج أو السيرج وفي جنوب المملكة يعرف بالسليط، ويستخرج زيت السمسم من بذور نبات السمسم المعروف علمياً باسم Sesamum indica من الفصيلة السمسمية Pedalinacea، ونبات السمسم نبات عشبي حولي يصل ارتفاعه إلى نحو متر، ذي ساق منتصبة له أوراق خضراء أرجوانية بيضاوية الشكل ويحمل كل غصن من أغصان النبات زهرة ذات لون وردي مبيض جرسية الشكل وثمرة النبات عبارة عن كبسولة تمتلئ بالبذور الصغيرة ذات اللون البني أو اللون الأبيض، وتحتل الصين المركز الأول لإنتاج السمسم على مستوى العالم وفق بعض الإحصائيات تليها الهند وبورما وتركيا والمكسيك والسودان.
وتنتج المملكة العربية السعودية زيت السمسم كمحصول وطني له قيمته الغذائية والتجارية الكبيرة، وشهد إنتاج المملكة من السمسم تطورا كبيرا من حيث الإنتاج ومن أهم المناطق المنتجة في السعودية المنطقة الشرقية وعفيف والخاصرة والقصيم ومكة المكرمة وعسير وجازان وتعد من أكبر المناطق السعودية إنتاجا للسمسم والباحةً.
في حين تستورد المملكة كميات كبيرة من بذور السمسم من كل من النرويج، الهند، الصين، الأردن، السودان، إثيوبيا، تنزانيا إلا أن أكبر دولة مصدرة لبذور السمسم للمملكة هي السودان تليها إثيوبيا. ويحتل المنتج الوطني المرتبة الأولى من حيث الطلب وغلاء السعر.
واستمد زيت السمسم شهرته الواسعة من خلال الفوائد الكثيرة له التي دفعت العلماء والباحثين إلى إجراء عديد من البحوث التي كشفت عن حقائق علمية وصحية كبيرة لم يكن يجهلها مستخدموه ولا من يقومون باستخراجه من حبوب الجلجلان الذين كانوا وما زالوا يروجون له من خلال مقدرته على علاج عديد من الأمراض الخطيرة وزاد من شهرته احتواؤه على مركبات ومواد تتفوق على المنتجات التي تعالج الضعف الجنسي من دون أي آثار جانبية.
وتعتبر منطقة عسير وخاصة تهامتها من أهم مواطنه وأماكن صناعته واستخراجه مما جعل من المنطقة مقصدا للسواح والزوار الذين يحرصون على التزود بزيت السمسم الذي يمتاز بالجودة. ويعد زيت السمسم العسيري الذي يتم إنتاجه بالطرق التقليدية البسيطة التي تتمثل في تلك المعاصر التي تنتشر على الطرقات وتتخذ من بعض المنازل مقرا لها من أجود أنواع السمسم.
ويشتمل زيت السمسم وفق الدراسات المتخصصة على الأحماض الدهنية المختلفة مثل حمض اللينو لئيك والأولولتيك التي تساعد على بناء أغشية الخلايا وإنتاج مادتي البروستجلندين والبروستا سايكلين، وهما المادتان المساعدتان في علاج الضعف الجنسي.
وشكلت معاصر زيت السمسم التي تعتمد على الجمال محطة جذب وتفرد للمنطقة، حيث تقوم الجمال المعصوبة العينين التي تحمل عمودا خشبيا كبيرا يدور في وعاء خشبي آخر يسحق بذور نبات السمسم لينتج زيت السمسم العالي الجودة في حالة خلوه من أي إضافات أخرى قد يعمد العاملون على استخراجه إلى إضافتها لزيادة المنتج دون أية خسائر مادية للبائع قد تقلل من مكاسبه في ظل الارتفاع الذي ضرب جميع مناحي الحياة بما فيها حبوب السمسم المحلي أو المستورد والذي ارتفع ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة.
وكانت جولات وتحركات الجهات المختصة قد كشفت وجود بعض التلاعب في بعض المعاصر التي تعمل بها عمالة وافدة.
واعتبر بعض رواد الصناعة من السعوديين الذين أخذوا ينقرضون نظير المنافسة غير الشريفة التي سيطرت على السوق دون وجود ضوابط تحكم تلك الممارسة التي تحكي جانبا من تراث المنطقة جريمة وطنية إلا أن عزوف النشء عن ممارسة مهنة آبائهم وأجدادهم أسهم في انقراض تلك الممارسة الوطنية وإبدالها بعمالة وافدة.
وقال محمد أحمد الذي سمي بسليطان إن زيت السمسم يسمى بـ "السليط" نسبة إلى المقولة المشهورة التي تقول "السليط مسلط على جميع العلل".
ويشتمل زيت السمسم على عدد من المواد الأساسية التي يحتاج إليها الجسم لبناء الأغشية الخارجية للخلايا، وتشييد الشحيمات الفسفورية التي تعتبر العمود الفقري في أغشية الخلايا وأغذية النخاعين في الأعصاب والعصبونات، ويسهم زيت السمسم وفق التجارب والبحوث التي أجريت على المواد الأساسية له في تنشيط الخلايا المناعية ومناعة الجسم عموماً، كما يحتوي زيت السمسم على بعض مانعات الأكسدة الطبيعية مثل فيتامين "هـ"، وبعض المواد التي لا توجد في أي زيت آخر مثل مواد سيسامين وسيسامولين وسيسامول.
وزيت السمسم مفيد للكبد والكلى والدوار وينفع في إدرار حليب الأم المرضع وهو طارد للانتفاخات في الأمعاء ويساعد على علاج الإمساك. ويقوي البصر وحدته إلى جانب أنه يساعد على تحسين حاسة السمع وإعطاء اللون الجميل واللماع للشعر في بداية طلوعه إلى جانب علاج بعض التكسرات وتلف الشعر ويساعد في حيويته وكثافته، ويعتبر من مستحضرات التجميل الطبيعية التي تساعد على تحسين الجلد وعدم تشققه إلى جانب المساعدة على رطوبته ولمعانه إلى جانب كونه علاجا لكثير من الأورام
الاقتصادية
غير متصل
