الموضوع: معركة الصريف
عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 30 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : الشاعر العريني يرد على العزي بن عيد بعد الصريف

كُتب : [ 13 - 02 - 2008 ]

كان المرحوم / دهام بن مثلا الظفيري قد اشترك في معركة الصريف ، وقد نقلت عنه صفة المعركة ، وإليكم ذلك على لسانه :لما جاءنا حمود الصباح عرضوا(20) عند المنتفك والظفير واجتمع خلق كثير ، وكان ابن سويط له علاقة مع ابن الرشيد ، فأرسل ينذره حيث أنه شدّ إلى نجد ، وتالي رجع حمود إلى الكويت ، ثم خرج مبارك في جيشه ولحقه سعدون باشا المنصور ، ومعه مئة خيال من الظفير والمنتفك وكان مع مبارك عدة قبائل . كنت مع خالد وقيلان بن شهيل بن منديل بن سويط الظفيري ، وكان فارساً وأنا على ناقةٍ ومعنا خيال من كبار آل سويط هزاع بن سويط ومعنا حمدان بن ضويحي من الظفير ومناور بن هضيبان العازمي ، وعجيمي باشا السعدون وإخوانه ثامر وحمد ، ومعهم خالهم ابن سبت ومعنا عطب الشريقي وهزاع بن عقاب وخيطان بن سيدان ، ووصلنا عند مبارك في بريدة ولما أصبحنا شدينا ونلزنا ، ولما جاء العصر وصلتنا سبورتنا التي تبحث عن ابن رشيد ، حيث وجدوه نازلاً على عين أبن فهيد . ولما أصبحنا نزلنا الطرفية وابن رشيد نزل الصريف ، وصار طارداً الخيل بيننا وبينهم ، وانهزمت خيل ابن الرشيد ، ووقفت خيلنا عند خيامه ، في ذلك الوقت ساق علينا ابن الرشيد المسيوق (21) وقوته قبل الظهر . وكان ابن رشيد يريد أن يؤخر الحرب إلى اليوم الثاني ، ولكن مبارك العذبي الصباح نصحه بالإسراع في مقاتلتهم ، وحذروه من أنه إذا أمسى المساء فإن العجمان تهجم عليهم في الليل . وقال له مبارك الصباح : مبارك اليوم ماله عز ، لأن البارحة تاريخ قتله لإخوانه (22) . ودارت المعركة بيننا وبينهم ، وبعدها انكسرنا ، وصارت قومنا تنهب بعضها بعضا ، ولولا نزل المطر كان ابن رشيد أخذنا كلنا . وأخذ ابن الرشيد المخيم ، وكل شيء حتى غداءنا وذبائحنا أكلتهما شمر قوم الرشيد . وكان مبارك الصباح قبل المعركة يشرب القهوة مع سلطان الدويش وما عنده علم بأن ابن الرشيد سيقاتلهم اليوم . فما شعروا إلا بالمسيوق يسوقه عليهم ، وهرب مبارك مع سلطان الدويش ، وأنا كنت مع ذلولي ، وما شعرت إلا بخالي قيلان وسعدون باشا المنصور وهزاع بن عقاب لاحقين حيث فكينا الذلول من العجمان وأمرحنا تلك الليلة ، وكان برد ومطر في الخلا ، والصبح شدينا ولفينا على بلدة الزلفى وطردنا اهلها خوفاً من ابن الرشيد . وتركنا في حوطة فيها زرع وقصيل للخيل نأكل العشب ومعنا مبارك الصباح ، والفجر هجينا ، ومبارك ترك حصانه نسيناه من الخوف ، ولما فقدوه قال مبارك : لا أحد يرجع له حيث أخذه رجال ابن الرشيد والذي يروح يقتل . وبتنا تلك الليلة في البرد معنا مبارك ، وذبحنا ناقة وأكلناها . وفي الصبح صبحانا مطير على الصمان ونلزنا عندهم فعملوا لناوجبة . والصبح مبارك انحدر إلى الكويت ، ونحن أشملنا إلى أهلنا، ما نأكل إلا العشب وكان أهلنا نازلين على أم رضمة (*) شمال الحفر فوصلناها بعد أيام منهزمين . هذا ما ذكر لي دهام عن معركة الصريف حرفياً ، وقد استفدنا منه معلومات كثيرة عن هذه المعركة منها : انها وقعت في يوم25 ذي القعدة سنة 1318هـ. وأخبرني محمد بن حمادة العجمي وكان قد اشترك في الصريف ولا يزال على قيد الحياة وكان عمره آنذاك حوالي سبعة عشر عاماً ، يقول: إن المعركة بدأت بمناوشة الخيل ، وكانت خيل ابن الرشيد عدتها الرماح فقط ، فانكسرت وعاد الفرسان إلى ابن الرشيد وقال لهم ( أنا أخو نوره كسروكم ) !! قالوا له ما لقينا خيالة رماح لقينا بواردية أصحاب بنادق . قال : يالله زملوا وحطوا ردايف . ولما أقبلوا على جيش مبارك ظنوا أنهم على حسب العادة فسرعان ما نزلوا الردايف ، وبعد ذلك ابن الرشيد المسيوق وخلفه الخيال المشاة . يقول ابن حمدة : إن المسيوق يتكون من 400 ناقة بيضاء صخرية ، ولم يعد منها سوى 7 نياق مجروحات وقد شاهدها . ويقول : إنه لم يثبت للقتال سوى الحضر من أهل الكويت فقط ، أما البدو فقد هربوا ، وقتل من الحضر كثيروان والباقي أسر . ويقول : إنه شاهد ابن ا لرشيد وهو يندب أهل لبدة (*) من حائل ، لأنهم أبلوا بلاء حسنا في القتال فيقول من قصيدة :

يا حر قلبي هل اللبدة
= اللي على الموت دلاقه

وبمناسبة كلامنا عن ابن الرشيد والصريف أحب أن أورد هذه الحادثة العجيبة وأتحدث عن ذلك الرجل الشهم الهمام الذي لم يضع فيه المعروف بل كافأ صاحبه مكافأة حسنة . كان العوفي مشتركاً في الصريف مع الشيخ مبارك ، وقد جرح جرحاً بليغاً في ظهره ، فأخذ أسيراً وألقي في الحجرة وكانت طويلة مملوءة بالأسرى الكويتيين ، وكل يوم يخرجون منهم جماعة ، ويذهبون بهم إلى ابن الرشيد ويقول : إن يجلس تحت المسجد ويضعون الأسرى أمامه يقتلهم أحد العبيد بالسيف بعد ما يقول لكل واحد منهم علَّبْ (23). ويقول :إن بعضهم لا يخرج منه إلا دم قليل جداً نظراً للخوف الشديد والجوع . المهم أنه ألقي معهم في الحجرة ، وبعد ذلك أخرج جماعة على نية قتلهم ، وكان معهم العوفي فلم يقتل ذلك اليوم بل ارجع مع عدد من الأسرى الجدد على نية قتلهم غداً أمام ابن الرشيد . ويقول : إنه إذا فتح العبيد باب الحجرة يركض من فيها إلى الداخل خوفاً من أخذهم للقتل ، فبينما هم كذلك إذ فتح الباب وأخذ العبد يصوف العوفي . فخرج إليه وهناك تعلق به رجل يعرفه وقال : اخرج معك !! قال : سأقتل . قال له : أريد أن أقتل معك . فخرج الرجل معه وهو لا يعرف ماذا سيجرى عليه . كان واقفاً على الباب مع العبد رجل من أقرباء ابن الرشيد فاستلم العوفي وقال : أنا فلان الفلاني ، وإذا به ذلك الرجل الذي جاء الكويت قبل الصريف بمدة ، وقد أكرمه العوفي فعمله له وليمة في بيته . فلما أبصر العوفي أسيراً عرفه وطلب من قريبه ابن الرشيد أن يعطيه إياه فوافق ابن الرشيد على ذلك . فذهب به إلى بيته وأطعمه ، ولما جن الليل أخذ يئن من ألم الجرح فسمعت والدة الرجل أنين العوفي فسألته عن ذلك ، فأخبرها الخبر . وهناك أخذت تعالجه بنفسها حتى بري من جرحه . وبعد ذلك أرسله الرجل إلى الكويت .

أزرع جميلاً ولو في غير موضعه
= ولا يضيـع جميـلاً أينـمـا زرع

(2) ومن الأوهام قول الدكتور أحمد مصطفى أبو حاكمة خلال وصفه للجيش والمعركة ::]في شهر ديسمبر عام 1900م توجه مبارك وعبد الرحمن بن فيصل على رأس جيشه قوامه عربان العوازم والرشايدة ومطير والعجمان وبني هاجر وبني خالد ، ونحو ألف من أبناء مدينة الكويت ، قاصدين غزو عبد العزيز الرشيد في عقر داره بنجد وشمر . ولقد فتحت القوات الغازية نجداً دون مقاومة تذكر ، ونصب مبارك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل حاكماً على الرياض، وبعد ذلك تقدم الجيش الغازي نحو حايل بقصد فتح منطقة جبل شمر غير أن عبد العزيز آل رشيد قد هزم جيش مبارك في الصريف على بعد عشرين ميلاً شمال شرقي بريدة بالقصيم ، واضطر مبارك للانسحاب من المعركة بفلول الجيش الكويتي يوم 17 مارس 1901م ، بعد أن خسر معظم مقاتليه من أهل مدينة الكويت ، إذ قدر عدد قتلاهم بسبع مئة رجل . ولقد اشار بعض المؤرخين إلى نتيجة هذه المعركة قائلاً بأنها شهدت انهيار آمال مبارك آل صباح في بناء دولة كبرى في جزيرة العرب(25) قال أبو عبد الرحمن :أما الحلم ببناء دولة كبرى فمر الحديث عنه وأما أنه نصب عبد العزيز حاكماً على الرياض فلم يفتحها بعد حتى ينصبه وإنما حاصرها عبد العزيز . وأما مسألة بداية لاحرب وأنها بدأت منذ زوال الشمس وليس من غروبها فقد نص على ذلك عبد العزيز الرشيد وهو يصف الحرب وينقد تصرف ابن الرشيد بعد المعركة . قال : ( التحم الجيشان، وتقابل الفريقان ، واستمر القتال من قبل الظهر إلى قبيل العصر ، وقد تقهقر ابن الرشيد مرتين مركزة ، ولكنه في كل منهما كان يتمكن من التقدم إلى الأمام وقد قدم أمام جيشه صفوفاً من الإبل جنة لتقيه النبال فكانت كهشيم المحتضر . وأخيراً بعد قتال عنيف وعرك شديد ذهبت فيه أرواح لا تحصى وزهقت نفوس غير قليلة تم الانتصار لابن الرشيد على خصمه، وشرب كأس العز قبله . ولكن مما يسطر له بمداد الخزي والعار على صفحات الانتقاد المر تعقبه المنهزمين من الكويتيين بعد المعركة ، وإجهازه على الجرحى منهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها وإعماله السيوف في رقابهم بدون رحمة ولا شفقة ، ووصيته لقومه أن لا يعتقوا أحداً من الكويتيين لا أبيض اللون ولا أسود . فكان من جراء ذلك لم يفلت منهم إلا النفر القليل ولقد كانوا يخرجونهم من المساجد والكهوف والمدن والقرى ويذبحونهم أمام إخوانهم ذبح الشاة الواحد تلو الآخر . نحن نعذر ابن الرشيد في بعض ما أتى لاعتداء مبارك عليه ، ولكن لا نعذره ولا يعذره الله والتاريخ في تلك الأعمال الوحشية التي مثل بها أدوار الحيوانات المفترسة ، وهو يعلم أن أهل الكويت مكرهون . على أن ما سود به صحيفة تاريخه مخالفة لجميع الشرائع والقوانين ، فلا المسلمون يبيحونه حتى مخالفتهم في الدين ، ولا المخالفون يستعملونه حتى مع المسلمين ، ولكن الجهل له سلطة على من .
==================
ومن الأوهام عن حصار الرياض أن خالد السعدون ظن أن أمير الرياض عجلان وإنما هو ابن ضبعان (27). ووجدت الدخيل يزعم أن الواقعة كانت في محرم عام 1318هـ ، ووجدته يبالغ في تقدير جيش ابن صباح ، وإنما هول ليضخم انتصار ابن رشيد ، لأن هواه كان رشيدياً ، وجيش اب صباح ضخم بلا ريب ولكنه أخلاط بادية ذات أطماع ، وأكثر تقدير له لا يزيد على عشرة آلاف (28). والزركلي لما اختصر كتابه عن الملك عبد العزيز لم يذكر مجيء الإمام عبد الرحمن للرياض ، بل قال : ( ودعاه أبوه للعودة إلى الكويت )(29). وكلمة ( دعاه ) تحتمل التوصية بواسطة رجل ، أو بالمكاتبة . قال أبو عبد الرحمن : ويعتبر أمين الريحاني كابن عبد الظاهر في كتابه "سيرة بيبرس " لأن الملك عبد العزيز أملى عليه جُلّ كتبه ، والريحاني ذكر حدوث المعركة في 26/11/1318هـ ، وتابعه ابن عبيد والمحققون . وذكر أن عبد العزيز بن سعود لما علم بوقعة الصريف أخلى الرياض التي احتلها أربعة أشهر فقط ، وعاد برجاله إلى الكويت . ولم يذكر الريحاني كيف علم عبد العزيز(30). وما أرى الأربعة أشهر صحيحةً إلا إذا حسبنا مدة المسيرة والمقاتلة قبل تسلق الأسوار ، وتقصر المدة مع ذلك ، لأن عبد العزيز غادر الشوكي خلال شهر رمضان أو شوال عام 1318هـ وغادر الرياض آخر ذي القعدة . وحدثني أحد مواليد عام 1314هـ الشيخ محمد بن عبد الله المرشد أن المدة ثلاثة أشهر . يظهر أن الزركلي نقل نقلاً سريعاً مخلاً عن ابن عيسى عندما ذكر أن عبد الرحمن مر بالرياض فقد ذكر أن المعركة سنة 1318هـ في 17 ذي القعدة ، وذكر سقوك الرياض في يد عبد العزيز وحصاره لحامية ابن رشيد في القصر . وقال بالحرف الواحد ( وانهزم عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض فلما قرب منها أرسل ابنه عبد العزيز وأعلمه بالخبر ، فخرج عبد العزيز هو ومن معه من الرياض ، فسار هو وأبوه ومن معهم إلى الكويت )(31) . فما قاله سمو الأمير عبد الرحمن صحيح ، وهو أن الإمام عبد الرحمن لم يدخل الرياض . وما قاله الزركلي نقل سريع عن ابن عيسى ، إذ توهم أن انهزامه جهة الرياض يعني دخوله فيها. وفاته تنصيص ابن عيسى على أن عبد الرحمن لما قرب من الرياض أرسل لابنه . قال أبو عبد الرحمن :ومن انهزم إلى الكويت من القصيم فحلوله بجهات العرمة يعتبر قريباً من الرياض . ولعله يوجد في الرواية الشفهية الموثوقة تحديد للمكان الذي راسل منه الإمام عبد الرحمن ابنه ، ولعل شيخنا العلامة حمد الجاسر يحقق ذلك . ومن العجائب أن الدكتورة مديحة أحمد درويش عزت إلى الحيدري في كتابه " عنوان المجد في أحوال بغداد والبصرة ونجد " أن عبد العزيز ابن رشيد تطلع إلى ضم الكويت ، وأن ابن صباح طلب من عبد العزيز ابن سعود أن يشن هجوماً عسكرياً على ابن رشيد في الرياض(32) . قال أبو عبد الرحمن : لا يوجد هذا الكلام عند الحديري ، ولا يمكن أن يوجد ، لأن حصار عبد العزيز للرياض عام 1318هـ ، وولاية عبد العزيز ابن رشيد عام 1315هـ وتأليف الحديري لكتابه عام 1286هـ ؟؟ أما نتائج الفتح عام 1319هـ فقد كانت بالله ثم بجيش سعودي خالص كما هو معلوم للقاصي والداني . وذكر يوسف أن عبد العزيز في صحبة الجيش الذي جهزه مبارك عندما ذهب يحفر خندقاً تحت السور ليصل إلى قصر الحاكم وهو يومئذ عبد الرحمن بن ضبعان عامل الرشيد (35) . قال أبو عبد الرحمن : سمعت من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد الرحمن المبارك ومن غيره من أبرز من كان يحفر الخندق ابن هدهود وأن أمير الرياض من قبل ابن رشيد آنذاك قطع إحدى يديه عندما فك ابن سعود الحصار (36). واسمه سليمان بن هدهود من أهل قرية المصانع جنوب منفوحة . وهذا سياق مهم للشيخ إبراهيم بن عبيد قال : ( لما كان في 26 ذي القعدة التقى الجمعان في ذلك الموضع واشتبكا في القتال ، وكان الحاكم عبد العزيز بن متعب معه من الجنود ما يكافئ به خصمه فمعه عشرة آلاف مقاتل أو يزيدون ، فجرت الملحمة طيلة ذالك اليوم ، واستعرت نار الوغى واصطلى بها الفريقان ، ثم إنها انفصلت الواقعة من أعظم وقعات العرب الحديثة ودارت فيها الدوائر على أبن صباح ومن معه وأخذ منهم شئ كثير من عتاد الحرب والأموال ، وعاد منهزما بمن سلم معه من الجيش إلى الكويت لا يلوي أحد على أحد ، وقتل أخوه وابنه وقتل من الأعيان خلق كثير . ولما ظفر ابن رشيد ذلك الظفر كان قاسياً عتياً فتتبع الفلول المنهزمين ، وأوقع بهم إيقاعاً شديداً ، وقتلهم صبراً ، واستعمل شراسة نفرت القلوب من حكمه لأمر يريده الله تبارك وتعالى . ثم زحف ونكل بأهالي نجد من البلدان الذين أظهروا الميل إلى ابن سعود تنكيلاً فظيعاً ، وكان الأمير على بريدة من قبل ابن رشيد الرجل المدعو بالحازمي ، وكان لما سمع بقدوم ابن صباح إلى الموضع المعروف ( بخب العكرش ) على قدر ميلين من بريدة إلى جهة الشرق ، قام من مجلسه في فسحة ترادف المسجد الجامع من الشمال مبادراً إلى قصر الحكم ، فدخله وجنوده ، وأغلقوا الباب ، فقام أهل بريدة يرحبون بالإمام عبد الرحمن بن فيصل ، وصفت الجنود للاستعراض ، ودخل عبد الرحمن خلفه الجنود يصفقون فرحاً ثم ساروا إلى موضع الواقعة . ولما انفصلت عن تلك الصفة التي ذكرنا أزال ابن رشيد الحازمي وجعل مكانه سالم بن سبهان لما يعرفه عنه من شدة العسف والجبروت . ولما انهزم صباح وجنوده وولوا الأدبار لا يلوي أحد على أحد أقام ابن رشيد أميره سالم بن سبهان وأمره أن يتبع الفول حتى جمع خلقاً كثيراً فأودعوا في الحبس . ثم نصب الأمير سالم خيامه بين بريدة والصريف بعدما امتلأت السجون ، فكان يقتل من وجده ولا يرقب فيهم إلا ولا ذمة ، وكانت القتلة في حالة الوقعة لا تزيد عن ثلاث مئة ثم إنه جلس الحاكم عبد العزيز بن متعب على دكة وأمر بالأسرى أن يصبروا بين يديه وكانوا أربع مئة فجيئ بهم ، يسحبون بين يديه على وجوههم ، وقتلهم واحداً بعد واحد ، وسخرأناساً يسحبونهم بعد القتل وهو ينادي : لا تدفنوهم مع المسلمين . وقد حدثني ثقة من المسخرين قال : كنت ضئيل الجسم إذ ذاك وادركتني الرحمة فكنت لا أتمالك من البكاء وعجزت عن العمل فشتموني وطردوني . ثم إنهأتى ابن رشيد برجل شاب من أهالي الكويت يريد أن يفتدي نفسه بعشرة آلاف ريال فأبى أن يقبلها ، وقلب فيه النظر قائلاً : نحن لا نريد الفلوس إنما نريد الرقاب ثم قتله . وممن قتل فيها من أعيان أهالي بريدة دحيم بن محمد الربدي ، وقتل ابنه سلمان(37) .وأسهب الشيخ ابن عبيد يذكر ظلم ابن رشيد وسالم السبهان . وذكر كرامات لمن أراد سالم قتلهم صبراً ولم أسمع بهذه الأخبار ولم أقرأها عند غيره . وجمع ابن عبيد حدثين : حدث محاربة عبد العزيز لقبائل تبع ابن رشيد بإذن من والده عبد الرحمن ، وحدث ذهابه بإذن مبارك لاحتلال الرياض – وذكر احتلال مبارك لكثير من بلدان نجد في طريقه إلى القصيم بدون قتال (38) ، ولهذا لحديث في الكلام عن معركة الشعر العامي .وتحدث الشيخ بن خميس عن الصريف منطلقاً من التصورات التي طرحها مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد عن هرب ابن رشيد ، وملاحقة ابن صبح له – وهذا غير مشهور ولا معروف وإنما ذكر بعض المؤرخين أنه استطرد له إلى الشرق بريدة . والأكثرون والرواية الشفوية تذكر انه نازله منذ علم بقدومه إلى القصيم ، وعاتب الذين قصروا وغفلوا عن مجيء ابن صباح بهذا الجيش . وجعل المعركة قبل الظهر إلى ما بعد العصر ولم يذكره مصدره (39) وقال الأمير ابن هذلول : ( وكان أغلب جنود ابن صباح قد سقطوا في قرى القصيم والزلفى ، لا يجدون من يطعمهم أو ينقلهم إلى بلادهم ، فبعث ابن رشيد زبانيةً من قبله يجمعون كل من وجدوه منهم فكانوا يجمعون الثلاثين والأربعين من الأسرى ويربطونهم بالحبال ، ثم يسوقونهم كالأغنام إلى بريدة ثم يأمر ابن رشيد جلاديه فيقتلونهم أجمعين .
===============
لقد حدثني من رجال أهل القصيم من شاهد هذا المشهد المريع قال : كان الزبانية من جنود ابن رشيد يأتون بالثلاثين ، والأربعين ، ثم يربطون الجميع في حبل واحد ، ثم يأمر عبيده القساة فيقتلونهم جميعاً وقد أنتنت الآبار خارج مدينة بريدة من جثث القتلى(40). وبعد فك الحصار ومعركة الصريف ذكر عبد الله فلبي أن ابن رشيد أوفد سالم السبهان إلى الرياض لينكل بأهلها (41). وفي دخول الرياض عام 1318هـ كانت أحدية عبد العزيز :

يا دارنا لا ترهبيـن
= لابد من نرجع عليك

وبعض المؤرخين الذين تناولوا معركة الصريف استغلوا أسلوب الراوي للرواية التاريخية الاسطورية كسيرة عنترة والزير كقول أحدهم عن الجيش عندما خرج من الكويت : ( سار الجيش وقد أثقلت وطأته الأرض وملأه الفضاء كثرة وعدداً . سار تردد الجبال صداه وترتعد من زئيره الأسود )(42) . والدارس المحقق في هذا العصر ليس بحاجة إلى مثل هذا الأسلوب لأنه ليس المقصود السَّمَر وشحن الخيال بالذهن . وإنما المراد تحقيق الوقائع وتعليلها . والمؤرخ الجاد إذا لم يستطع أن يقول كل ما يعلم فيسكت عما لا يقدر على قوله فلا يكونملوماً . وإنما الملوم حقاً من يزيف التاريخ ويكذب في وقائعه أو يضلل في تفسيره ولا مكره له على ذلك ، وإنما هو الهوى أو طلب الخبر الخبيث كالبقرة تخلل بلسانها . ومثل الأسلوب الحكواتي إجمال القول في أمور يعلم الناس تفصيلها كقول بعضهم عن نفس الجيش : ( أما ابن الرشيد فذعر من سيرة ذعراً أطار لبه وأعدمه رشده ، وود أن لا يلتقي به ولا يشتبك وإياه في قتال ، ولكن مباركاً كان يطارده في رؤوس الجبال وبطون الأودية ، ويسأل عن السهل والوعر .. الخ ) (43) . قال أبو عبد الرحمن : رؤوس الجبال وبطون الأودية والسهل والوعر لها أسماء تاريخية وعرفية ، والمطاردة فيها ستنتج أحداثاً فكان من المهم ذكر الأسماء وتفصيل الأحداث . ومبارك لم يحاصر قرى نجد ويحاربها ويعرج عليها ، وإنما كان ينهب السير لمواجهة خصمه ابن رشيد . أما أنه لم يجد من أهل نجد مقاومة فهذا صحيح لأنه لم يعرج عليهم محارباً . وأما أنه وجد أهل نجد يرحبون به فهذا صحيح ، لأنهم يرحبون بالإمام عبد الرحمن ونجله عبد العزيز الذي هب إلى الرياض . وشده تنكيل ابن رشيد بأهل نجد بعد معركة الصريف دليل على ذلك . واحتلال نجد بهذا المعنى أشاعه مبارك وجعله كائناً من حرب ، ولهذا عارض الشعر العامي الذي خاض معركة الصريف فقال أبو جراح السبيعي عن مبارك :

وطفحت للديـرة ركـاب يلالـن
= تقول خذت ( أم الجماجم ) نهابه

وأم الجماجم سبع قلبان يصـرن
= خسرت جيرانك على غير ثايـه

وفوَّهت بأخذت نجد والعلم عن من
= تفلج وخصمك ما حضر للطلابـه

وقال عن القتلى :

الفين بين القاع والحـزم عَّـن من
= غير شيء ما ضبطنا حسابه

قال أبو عبد الرحمن : أكثرهم من الأسرى . وذكر حمود الناصر البدر نزول مبارك في روضة التنهات وتجمع جيوشه فقال :

في عشب خد زايف بالخضـارا
= في روضة التنهات ناوين مثيار

ولكن السبيعي يعلل تغافل ابن رشيد عن التجمع على هذا العشب بقوله :

خلاك ترعى العشب يبغيك تسمن .

وذكر العوفي مدة بقاء الحملة في نجد فقال :

أحسب أيامنا تسعين يوما
= ونجد له تتقي باللجايـا

قال أبو عبد الرحمن : ومعركة الشعر العامي أو عب من ذلك عند ابن جمهور وابن هويدي وابن عيد راعي البرة وغيرهم . وإنما هذا هو ما تسمح به هذه المناسبة . وليس غرضي من هذه النبذة إلا سرد الأحداث على وجه الصحة . أما تفسير الأحداث فعمل فكري ، ومن أهم عمل تفسيري زعم الرحالة الإنجليزي ( كنت وليمز ) أن حصار ابن سعود للرياض عام 1318هـ كان قبل الأوان وأنه سبب في تعزيز مكانة ابن الرشيد(44) . وعندي أن هذا الحصار جرأ عبد العزيز، ورسم له الهدف في يوم الفتح النهائي عام 1319هـ . ومن قضايا التفسير التي تثبت بالأرواح حكم محمد جلال كشك في كتابه " السعوديون" بأن هزيمة الصريف من مصلحة ابن عود . قال أبو عبد الرحمن : وهذا صحيح بعد أن تحقق فتح الرياض على يد عبد العزيز بعناية الله ثم بجيشه السعودي الخالص بعد الصريف بسنة وبناء على ما عرف من طموح مبارك في نجد . قال أبو عبد الرحمن : ترتيب على هزيمة مباركأو وقفت منه الدولة العثمانية موقفاً حصره في ثلاثة خيارات : أما أن يسافر إلى الاستانة فيعين عضواً في مجلس الشورى . أو يسكن في أية بلدة عثمانية يختارها والحكومة تقوم بما يحتاجه أو تستولى الدولة على الكويت بالقوة . وكان الشيخ مبارك ينكر حتى ذلك التاريخ أن تكون بينه وبين بريطانيا معاهدة حماية ، فلما تلقى التهديد العثماني اضطر إلى إعلان المعاهدة ، فأنذر القائد البريطاني الوفد العثماني الذي جاء من البصرة بالرحيل . ثم اتفقت الحكومتان البريطانية والعثمانية على إبقاء الوضع الراهن على حاله فيما يتعلق بالكويت . لكن التوتر استمر بين مبارك والحكومة العثمانية فأرسلت بريطانيا خمس سفن حربية رابطت أمام الكويت ، وضغطت على وزارة الخارجية العثمانية التي لم ترغب بالتورط في صدام مع بريطانيا بسبب خلافات قبائل ، فطلبت من ابن رشيد العودة إلى بلاده ، وقدمت له ترضية مالية مقدراها أربعة آلاف ليرة ذهبية(45). قال أبو عبد الرحمن : هذا الحدث وغيره من الأحداث علم منه الملك عبد العزيز أنه لاغناء في الدولة العثمانية إذا عجزت عن تحقيق غرضها من مبارك ، وعجزت عن نصر حليفها ابن رشيد . فتكوَّن لدى عبد العزيز وعي بالمتغيرات العالمية . وصلى الله على محمد . منقول وكتبه لكم : الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري . وفقه الله وأنتم سالمون وغانمون والسلام .



رد مع اقتباس