الموضوع: امتحان القلوب
عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
الحميدي محمد الفراعنه
عضو مميز
رقم العضوية : 14914
تاريخ التسجيل : 21 - 07 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1,252 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الحميدي محمد الفراعنه is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : امتحان القلوب

كُتب : [ 20 - 09 - 2008 ]

وصدق وهو كذوب).
فلننتبه إلى هذا المرض، ولنستشعر قوله -تعالى-: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً)( ) [سورة المائدة، الآية: 3].
وأخيرا فلنتأمل قوله -تعالى-: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)( ) [سورة يوسف، الآية: 87].
الهوى ومحبة غير الله
فإنه آفة الآفات، والسم الزعاف لهذا القلب، يوم أن تكون محبة الشخص لغير الله، وموالاته ومعاداته في سبيل دنياه، وأهوائه، وأطماعه الشخصية. وهذا لا شك موصل صاحبه إلى الهلاك والبوار وتأمل معي في هذه الآيات:( ) (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى)( ) [سورة النجم، الآية: 23] (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ)( ) [سورة الأنعام، الآية: 71] (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً)( ) [سورة القصص، الآية: 50] (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)( ) [سورة الجاثية الآية: 23] (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)( ) [سورة محمد، الآية: 16] (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)( ) [سورة الأنعام، الآية: 119] والهوى مرض من أمراض القلب سواء أكان الهوى بمعناه العام أو الخاص.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان كون الحب يعمي ويصم: ".. ولذلك قال الشاعر:
عــدو لمـن عـادت, وسـلم لأهلهـا
ومن قربت ليلى أحب وأقربا ( )

فهذا جعل الولاء والبراء في ليلى، وليس في الله.
وذكر شيخ الإسلام أيضا قصة رجل أحب امرأة سوداء حبا عجيبا، أخذت عليه مجامع قلبه، فيقول هذا الرجل:
أحـب لحـبها السودان حتى
أحـب لحـبها سـود الكـلاب

والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان " ( ).
وأسوأ أنواع الحب محبة أعداء الله.
الخشية والخوف من غير الله
يقول تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)( ) [سورة المائدة، الآية: 44] ويقول- عز وجل-: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)( ) [سورة التوبة، الآية: 13].
ومن صفـات الذين في قلوبهم مرض أنهم يقولون (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)( ) [سورة المائدة، الآية: 52] ومن صفات الذين سلمت قلوبهم وآمنت (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)( ) [سورة آل عمران، الآية: 173].
وهناك خوف جبلي لا يقدح في المعتقد كخوف الإنسان من عدوه إنسانا أو حيوانا، أما الخشية فلا تكون إلا من الله.
وعدم الخوف دليل على قوة القلب وجسارته، كـما أنه دليل على الإيمان، قال الإمام أحمد: "لو صححت لم تخف أحدا"، أي من المخلوقين.
الوسواس
وهو بلاء عمّ وطمّ، وصار يلعب بكثير من الناس، ويضيع عليهـم فرائضهم وعبـاداتهم، يقول الشيـخ السعدي -في جواب له عن دواء الوسواس: ليس له دواء إلا سؤال الله العـافية، والاستعـاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاجتهاد في دفع الوساوس، وأن يتلهى عنها ولا يجعلها تشغل فكره، فإنه إذا تمادت فيه الوساوس اشتدت واستحكمت، وإذا حرص على دفعها والتلهي عن الذي يقع في القلب اضمحلت شيئا فشيئا، والله أعلم ( ).
وقد أمرنا بالتعوذ منه كما في سورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)( ) [الناس: 1- 6].
قسوة القلب
وهو مرض تنشأ عنه أمراض، وتظهر له أعراض ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله وأخذ بالأسباب: وتظهر خطورة هذا الداء من خلال هذه الآيات:
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )( ) [سورة البقرة، الآية: 74] (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)( ) [سورة الأنعام، الآية: 43] (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)( ) [الزمر: 22] (فَطَـالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)( ) [سورة الحديد، الآية: 16].
وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.
التحزب لغير الحق
وهو مرض خطير، وداء يقتل ويهلك الأفراد والأمة على حد سواء، وهو على نوعين:
1- التحزب لبعض المبادئ الأرضية:
كالقومية والوطنية والعلمانية وغيرها من المبادئ الضالة، وهذه قد راج سوقها وكثر، خاصة في هذه الأيام، ونحن نسمع عما يسمى (الوحدة الوطنية)، وهي الحب على أساس المواطنة، فما كان من وطنك تحبه سواء كان مسلما أو فاسقا أو كافرا، فالمهم أنه مواطن مثلك، بينما لا تحمل هذا الشعور لأخ مسلم من غير وطنك، ولو كان من أتقى الناس.
فهي موالاة ومعاداة على أساس الوطن. حتى قال أحدهم -فض الله فاه-: كل حب يذهب ويتلاشى إلا حب الوطن. يعني إلا حب التراب، حب الأرض، ملأ الله جوفه قيحا وصديدا، هكذا: كل حب يذهب حتى حب الله  ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا حب الوطن، فهو شرك من نوع جديد.
وما دري هذا المسكين أننا لا نـزال نقرأ في القرآن: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)( ) وقـد نـزلت في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي لهب، ونحن نتبرأ منه ونبغضه. ونحن لا نـزال نثني على بلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، ونترضى عنهم، ونسأل الله أن نحشر في زمرتهم.
ولا يفهم من هذا الكلام أننا لا نحب الوطن، كلا، فهو أمر جبلي مركوز في النفس، لكن حب الوطن لا بد أن يكون خاضعا لحب الله ورسوله. وهل هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وأفضل بقاع الأرض (مكة) إلا لما كان في ذلك مرضاة لله ورسوله، وهكذا المهاجرون وغيرهم.
2- التحزب من بعض المسلمين ضد بعض:
فنجد بعض الدعاة يتحزبون ضد بعض، وبعض طلبة العلم يتحزبون ضد بعض، فيحب هذا أكثر من هذا لأن الأول من حزبه، ولو كان الثاني أتقى منه وأفضل. وهذا خطأ كبير، وهذا يحب ذاك لأنه يتبع شيخه أو إمامه، ويعادي الآخر لأنه يتبع إماما أو شيخا آخر.
فالواجب موالاة المسلمين لإيمانهم، ومعاداة الكفار لكفرهم، ولا يجوز التحزب لغير الحق، فإنه يورث الأمة التفرق والتشتت (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)( ) [سورة آل عمران، الآية: 105] وهناك فرق كبير بين التحزب وبين التنافس في الخير فالتنافس مطلوب ومحمود (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)( ) [سورة آل عمران، الآية: 133] (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)( ) [سورة الحديد، الآية: 21] أما التحزب فمذموم، وكم أودى بأمم وجماعات وأفراد. حتى صار حال بعضهم كما قال الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت
وإن ترشـــد غزيـــة أرشــــد

وعلاج التحزب بالتجرد لله -جل وعلا-، والسلامة من الهوى والتحري في المنهج، وأن نعرف الرجال بالحق، لا الحق، بقول الرجال.
واذكر الدعاء بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم " ( ).
وأخيرا: قد يقول قائل: ولكن ما العلاج؟ فأنت شخصت الداء، فهلا بينت الدواء، وعلمتنا طريق النجاة.
فلا أدعي أنني سوف أحيط بجـوانب علاج أمراض القلوب، ولكن حسبي أن أذكر شيئا من الوسائل لعلاج هذه الأمراض، اختصرها بما يأتي:




علاج أمراض القلوب
أولا: إن أساس صحة القلب وسلامته في إيمانه بالله ويتفرع عنه ما يأتي:
1- كمال محبة الله: بأن يكون حبه لله، وفي الله، وأن يكون بغضه ومعاداته لله، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن من أعظم وسائل علاج القلب: أن يمتلئ قلب الإنسان بحب الله، (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)( ) [سورة البقرة، الآية: 165] وأما وسائل محبة الله فكثيرة، منها:
قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ودوام ذكر الله على كل حال، وإيثار محابه على هوى نفسك ومحابها، ومطالعة القلب لأسماء الله وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وانكسار القلب بين يدي الله  وغيرها من الوسائل ( ).
ثانيا: الإخلاص:
يقول  (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)( ) [سورة الأنعام، الآيتان: 162-163].
أخلصوا لله  في أعـمالكم، وستجدون راحة في صدوركم، ولذلك يقول الله  (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)( ).

ثالثا: حسن المتابعة:
بأن يكون عمله واعتقاده وفق ما أمر الله ورسوله. يقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)( ) [سورة آل عمران، الآية: 31]. ويقول  (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)( ) [سورة الحشر، الآية: 7].
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)( ) [سورة الأحزاب، الآية: 36].
فلو سألنا أنفسنا: هل ننطلق في كل تصرفاتنا وأعمالنا ونياتنا وفق ما شرع الله؟
إن بعض الناس ينطلق في تصرفاته من هوى زوجته، وبعضهم من هوى رئيسه، وبعضهم أعراف قبيلته أو نظام جماعته وهكذا، ولو خالف أمر الله ورسوله.
ولو ناقشت أحدهم مرة، فقلت له: لم يا أخي تعمل هذا العمل؟ لقال: رئيسي هو الذي أمرني به، فقلت: ولكنه حرام، لأجاب: أعرف أنه حرام، ولكن ماذا أعمل؟ لو لم أفعل لما رشحني للترقية، أو لفصلني من الوظيفة أو... الخ. فأين المتابعة لله ولرسوله من هذا الذي قدم هوى رئيسه على مرضاة ربه؟
إننا بحاجة إلى مراجعة أعمالنا، وتحقيق صدق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ( ).
وفي الحديث الصحيح: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".









مما يعين على تحقيق هذه الأصول ليسلم القلب، وينمو مما يعرض له من ابتلاء وامتحان ما يأتي:
- سورة آل عمران آية: 31.
- سورة الحشر آية: 7.
- سورة الأحزاب آية: 36.
- قال النووي: حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة، بإسناد صحيح، وأعله ابن رجب كما في جامع العلوم والحكم ص 1574 ط دار الفرقان.

1ذكر الله:
فإنه يجلو صدأ القلوب، ويذهب ما ران عليها من آثام ومعاص، ويزيد من قرب الإنسان لربه لا سيما إذا كان مستشعرا للذكر، مصاحبا له في كل أحواله وحركاته وهيئاته.
يقول الله  (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)( ) [سورة الحشر، الآية: 16] ويقول  (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)( ) [سورة الإسراء، الآية: 82] وقد ذم الله المنافقين في كتابه لقلة ذكرهم لله. فذكر الله علاج حاسم لابتلاء القلب وامتحانه (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)( ) [سورة الرعد، الآية: 28]
ومن أعظم أنواع ذكر الله: قراءة القرآن، يقول - تعالى -: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)( ) [سورة محمد، الآية: 24].
ونحن نرى كثـيرا من المسلمـين يستغرق في قراءة، الصحف والجرايد، ومطالعة وسائل الإعلام وقتا طويلا بلا تعب ولا كلل ولا ملل. بينما تجد الواحد منهم لا يقرأ ولو جزءا يسيرا من القرآن، بل لو جلس وقتا لقراءة القرآن لم يلبث أن يمل ويعدوه إلى غيره.
يقول أحد السلف: والله لو طهرت قلوبنا ما مللنا من قراءة القرآن.
2- المراقبة والمحاسبة:
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله-: أنها من أهم العوامل لعلاج القلب واستقامته.
يقول ابن القيم: وهلاك النفس من إهمال محاسبتها، ومن موافقتها واتباع هواها، ولذلك ورد في الأثر: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني" ( ) وكان عمر يقول:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا" ( ) ويقول الحسن: "لا تلقى المؤمن إلا وهو يحاسب نفسه"، ويقول أيضا: "إن العبد ما يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته"، وقال ميمون بن مهران: "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح" ( ).
فيراقب الإنسان نفسه قبل العمل: في إخلاصه، ومتابعته. ويراقب قلبه في تحقيقه للمحبة لله وفي الله، ويجاهدها على ذلك. كـما يحاسبها بعد العمل على التقصير فيه، وعدم كـمال الإخلاص.
ولا ريب أن هذين من أهم الوسائل لعلاج أمراض القلب، يقول - تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)( ) [سورة العنكبوت، الآية: 69].
3- وسائل أخرى:
فمنها العلم، تحقيق التقوى، قيام الليل، كثرة الدعاء خاصة في الثلث الأخير من الليل، فإن سهام الليل لا تخطيء، فليكثر الإنسان فيه من التضرع إلى الله، وسؤاله الصفح والمغفرة والستر والتجاوز.
ومنها إطابة المطعم والملبس، وكثرة الصدقـة، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)( ) [سورة التوبة، الآية: 103].
ومن أعظمها: غض البصر، قال - سبحانه-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)( ) [سورة النور، الآية: 30] وهنا، وبعد أن ذكرنا علاج أمراض القلوب، نذكر كلاما نفيسا لابن القيم.
علامات صحة القلب وسلامته، وعلامات موته وشقاوته.


علامات صحة القلب وسلامته
قال ابن القيم -رحمه الله- في علامات صحة القلب ونجاته:
1- أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى يتوب إلى الله وينيب.
2- أنه لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من عبادته.
3- أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أشد من فوات ماله. وهنا وقفة! رحم الله ابن القيم، فما عساه يقول فيمن ليس له ورد، بل ما عساه يقول فيمن إذا فاتته الصلاة المفروضة لا يجد ألما وحسرة، وكأنه لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " ( ) (أي: كأنما فقد أهله وماله وهلكوا).
4- أنه يجد لذة في العبادة كثر من لذة الطعام والشراب [فهل يجد أحدنا لذة في العبادة،؟!] أو يجد اللذة إذا خرج منها؟!.
5- أنه إذا دخل في الصلاة ذهب غمه وهمه في الدنيا [ونحن لا تجتمع الأمور والأعمال علينا إلا في الصلاة، حتى قال لي أحد الأخوة: إنه رأى رجلا بعد أن دخل في الصلاة أخرج فاتورة للحساب، وأخذ يراجع الحسابات -وهو في الصلاة- إلى قصص كثيرة تبين ذهاب الخشوع، والخضوع بين يدي الله  في الصلاة.
فأين لذة الصلاة عند هؤلاء؟ وأين الصلاة التي كان الرسول، صلى الله عليه وسلم يقول فيها: " أرحنا بالصلاة يا بلال ( ) " ويقول: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " ( ) فإن لسان حال كثير من المصلين "أرحنا من الصلاة" وتجد أحدهم لو أطال الإمام القراءة، سرد عليه محفوظاته في الأحاديث التي تأمر برعاية حال المأمومين، بينما لو أخل الإمام بأدائها وواجباتها لم يجد من ينبهه -إلا ما شاء الله- والله المستعان.
6- أن يكون همه لله وفي ذات الله، وهذا مقام رفيع.
7- أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا أشهد من شح البخيل بماله.
8- أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر من اهتمامه بالعمل ذاته ( ) [وهذه نقطة مهمة جدا. فيجب أن يكون اهتمام الإنسان بتصحيح العمل كبيرا في: تصحيح القصد، وتحقيق المتابعة، وتحقيق العبودية في العمل؛ فإن هذا هو الغاية من العمل.
فهذه علامات لسلامة القلب وصحته، وإليك -أخي القارئ- علامات شقاوته وعلته.
علامات مرض القلب وشقاوته
حيث ذكر ابن القيم من علامات مرضه جملة، منها:
1- أنه لا تؤلمه جراحات القبائح.
فهل نتألم نحن لجراحات قلوبنا، وما نقترفه من معاص وآثام في الليل والنهار؟
وهل نندم ونعزم على التوبة كلما أذنبنا؟
وهل آلمنا ما نراه في مجتمعنا من معاص ومنكرات؟
وهل عملنا على تغييرها ما استطعنا، وهذا أمر -لا شك- عظيم-؛ فإن القلب الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا في نفسه ولا في مجتمعه قلب يحتاج صاحبه إلى تدارك نفسه قبل فوات الأوان.
2- أنه يجد لذة في المعصية، وراحة بعد عملها [وإنما حال المؤمن إذا عصى الله أن يندم ويستغفر ويتحسر على ما فات، ويسارع في التوبة إلى الله].
وهناك من الناس -للأسف- من ينطبق عليه كلام ابن القيم، فبعض مشاهدي الأفلام نجده يجد لذة في مشاهدتها، ولا تكاد تفارقه تلك اللذة لمدة طويلة.
وكذلك نجد من متابعي المباريات من يجد لذة في مشاهدتها وحضورها، ولا تفارقه النشوة لفترة -خاصة إذا فاز فريقه- فهل نعي بعد ذلك خطورة هذا الأمر؟
3- أنه يقدم الأدنى على الأعلى، ويهتم بالتوافه على حساب معالي الأمور [فماذا نقول عن بعض المسلمين ممن أصبح لا يهتم بحال إخوانه وشئون أمته، بينما يعرف من التوافه أكثر مما يعرف عن أمور دينه، وأخبار علماء الإسلام وأئمته].
وكم يتأسف الإنسان على أموال كثير من شبابنا ممن أغرم بحب الرياضة والفن، ويهتم لها ويحزن ويغتم، أكثر مما يهتم لقضايا إخوانه في: أفغانستان، فلسطين، الفلبين، أريتريا.. الخ. فهل هذا قلبه سليم؟ بل نقول لهذا: أدرك قلبك فهو على شفا هلكة.
4- أنه يكره الحق ويضيق صدره به، وهذا بداية طريق النفاق، بل غايته.
5- أنه يجد وحشة من الصالحين، ويأنس بالعصاة والمذنبين [فتجد من الناس من لا يطيق الجلوس مع الصالحين، ولا يأنس بهم؛ بل يستهزئ بهم ومجالسهم، ولا ينشرح صدره إلا في مجالسة أهل السوء وأرباب المنكرات، ولا شك أن هذا دليل على ما في قلب صاحبه من فساد ومرض].
6- قبوله الشبهة، وتأثره بها، وحبه للجدل، وعزوفه عن قراءة القرآن.
7- الخوف من غير الله، ولذلك يقول الإمام أحمد: لو صححت قلبك لم تخف أحدا، [وهذا العز بن عبد السلام يتقدم أمام أحد الملوك الطغاة، ويتكلم عليه بكلام شديد، فلما مضى قال له الناس: أما خفت يا إمام، فقال: تصورت عظمة الله، فأصبح عندي كالهر، والآن نرى من الناس من يخاف من: المسئول، الضابط وغيرهما أكثر من +خوفه من الله، وهذا لا شك دخن في قلب صاحبه، والعاقل خصيم نفسه].
8- وجود العشق في قلبه، قال شيخ الإسلام: وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب فيه صارفان يصرفانه عن العشق، إنابته إلى الله ومحبته له، وخوفه من الله.
9- أنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ولا يتأثر بموعظة.
خـاتمة
لئن كنت قد أطلت في عرض هذا الموضوع، فمرد ذلك إلى أن يستأثر باهتمامكم، فالله الله في قلوبكم، بالرفق بها وحملها على الخير، والعناية بها أو منعها وحمايتها مما يضرها.
وكم يصاب الإنسان بالحزن عندما يعلم أنه مصاب بمرض حسي في قلبه، فهل حزنا مثل ذلك من جراحات القلب وأمراضه، من المعـاصي والآثام، من الامتحان الذي يعرض على قلوبنا صباح مساء.
فلنتق الله في قلوبنا. ففي صلاحه النجاة (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)( ) [سورة الشعراء، الآيتان: 88-89].
هل راقبنا الله فيما انتشر من الذنوب من: أكل الربا، والمعاونة عليه، وأخذ الرشوة وإعطائها، ومن الولوغ في أعراض الناس بالغيبة والنميمة، في ذنوب لا يحصيها محص ولا يعدها عاد؟
ولنرحم هذه القلوب، ولنحملها على طاعـة الله بإكثار قراءة القرآن ومدارسته، وكثرة النوافل والعبادات، وكثرة الصدقة، وذكر الله  حتى نلقى الله بقلوب سليمة مخبتة أواهة أوابة، وأكرر التحذير من انشغـال كثير من الناس بقلوب إخوانهم غافلين عن قلوبهم، فالنجاة النجاة.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما لا نعلم، اللهم إنا نسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


رد مع اقتباس