الموضوع: أدب الإختلاف
عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 31 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: أدب الإختلاف

كُتب : [ 08 - 07 - 2009 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

آثار الإختلاف :-

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين إن اجتماع كلمة المسلمين ووحدتهم وحماية صفهم من الفرقة والخلاف والتصدع أمر حثنا الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم في غير موضع منه، وهو نهج دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السير عليه وأمرنا بالتمسك به ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى لنا الأمثال بالأمم من قبلنا، وبين هلاكهم وضلالهم بسبب اختلافهم وتفرقهم، وكذلك حذرنا جل وعلا من الوقوع فيما وقعوا فيه، يقول الحق سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وإذا كان القرآن الكريم قد عني بهذا الجانب؛ فقد عنيت السنة النبوية ببيان خطورة سلوك هذا السبيل، سبيل الفرقة والاختلاف, وكان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يوجه صحابته، والخطاب عام لهم ولمن بعدهم، إلى خطورة هذا الأمر؛ فقد سمع صلى الله عليه وسلم أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج صلى الله عليه وسلم يُعرف في وجهه الغضب، فقال : ( إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب ) وإذا كانت سنة الخالق سبحانه وتعالى في الأمم من قبلنا أنهم لما تخلوا عن حبل الله المتين وخالفوا أمره شتت شملهم وضرب قلوب بعضهم ببعض وأذاق بعضهم بأس بعض؛ فسنته تعالى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كسنته في غيرها من الأمم، لا فرق بينها وبين تلك الأمم؛ فإن اعتصمت بحبله والتزمت نهجه جمع شتاتها، ووقاها الفرقة والعداوة والاختلاف، وإن زاغت عن منهجه إلى مناهج أخرى شتت الله شملها وألقى بينها العداوة والبغضاء حتى تعود إلى منهج الله تعالى ولقد كانت هذه الأمة الربانية مضرب المثل في الاجتماع والاتفاق، والمودة والرحمة فيما بينها، حتى سجل لنا التاريخ صورة نقية واضحة عن المؤاخاة التي حصلت بين المهاجرين والأنصار، والأوس والخزرج وغيرهم، وغيرهم كثير وإذا كان هذا الأمر مما يرضي المؤمنين ويفرح المتقين؛ فقد أغاظ أعداء الله وأولياء الشيطان وعلى رأسهم زعيمهم وقائدهم إبليس لذا فقد جد إبليس لعنه الله في إحداث الفرقة والاختلاف بين المسلمين، وظفر في ذلك بما لم يظفر به في غيره، ودخل عليهم من كل باب، وأغراهم بكل سبل الإغراء، فإن رأى أن باب الدنيا أيسر له في التفريق بين قوم منهم دخل من باب الدنيا بالمال، والجاه، والمنصب، والقبيلة والعشيرة والأرض والنساء، وإن رأى أن باب التدين والعبادة والعلم أيسر له في التفريق بين آخرين، دخل عليهم من هذا الباب، فأغرى بعضهم في الاجتهاد، وأغرى الآخرين بالتقليد، وأغرى هؤلاء بالتشديد، وأغرى غيرهم بالتيسير وأغرى قوماً بالقياس وحثهم على المبالغة فيه، كما أغرى آخرين بالابتعاد عنه وذمه وعدم الاعتبار به؛ لأنه من أهم أسباب معصية إبليس وخروجه عن طاعة الله، وأغرى قوماً بالمبالغة بالتكفير، فكل من ارتكب كبيرة يجب أن يحكم عليه بالكفر، ولو أتى بما أتى من أحكام الإسلام الأخرى. كما أغرى آخرين بالبعد عن تكفير الناس ما داموا على معرفة بالله تعالى ولو لم يستجيبوا لأي أمر من أوامره، أو لم ينتهوا عن أي شيء نهاهم الله عنه ولقد نجح فيما يصبو إليه فنتج عن ذلك " التفرق والافتراق الذي صدع بنيان الأمة وزعزع كيانها، حتى صارت مطموعاً بها لزوال وحدتها وذهاب سمتها الربانية حتى ذاقوا أصناف الذلة والعذاب ". والتفرق والافتراق الذي ذاقت منه الأمة الإسلامية في القرون الأولى كل أنواع البلاء لا زال يسومها حتى هذا الزمن، فيقتل أبنائها ويشتت آراءها، ويعرقل مسيرتها، ويجعل كل قوم بما لديهم فرحون لذا تشكو خير أمة أخرجت للناس من أنواع الذل والعذاب والاستكانة ما جعلها ضعيفة في قوتها هزيلة في وحدتها، متناقضة في آراءها مختلفة في تفكيرها، والسر وراء ذلك كله قول الحق تعالى : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) والله سبحانه وتعالى وقد بين لنا هذا الأمر، وحذرنا من الوقوع فيه؛ فإنه أيضاً جل وعلى أخبرنا عن عواقبه وآثاره في كتابه العظيم، وعلى لسان رسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وأهم آثار الافتراق ما يلي :-

(1) الشرك بالله تعالى : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يتكلم عن التفرق والاختلاف : " وهذا التفرق والاختلاف يوجب الشرك وينافي حقيقة التوحيد الذي هو إخلاص الدين كله لله كما قال تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) فإقامة وجهة الدين حنيفاً، وعبادة الله وحده لا شريك له ــ وذلك يجمع الإيمان بكل ما أمر الله به وأخبر به ــ أن يكون الدين كله لله، وقوله تعالى : ( ولا تكونوا من المشركين .. ) الآية .

(2) براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين : فمن آثار الافتراق ــ والعياذ بالله ــ براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وذلك بنص القرآن الكريم : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) قال أبو عبد الله القرطبي : " ( إن الذين فرقوا دينهم ) هم أهل البدع والشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة، ( شيعاً ) فرقاً وأحزابا، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض؛ فهم شيع، ( لست منهم في شيء ) فأوجب براءته منهم ". وهذه الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا ختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف : ( كانوا شيعاً ) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات؛ فإن الله تعالى قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه .

(3) ذهاب القوة والهيبة : قال تعالى : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وقال عز من قائل : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ .. ) الآية .

(4) عذاب الله ولعنته : يقول الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) فالله سبحانه وتعالى نهانا أن نكون مثل هؤلاء القوم، وبيّن عقوبتهم لمّا اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات : ( وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم : ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )

(5) اسوداد الوجوه : يقول الله تعالى في الآية السابقة : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ ُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) قال القرطبي : قال ابن عباس : " تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة ". وقال القرطبي أيضاً في تعليقه على هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران قال : " فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلاك والجماعة نجاة ". ورحم الله ابن المبارك عندما قال :-

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
= منه بعروته الوثقى لمن دانا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فنتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه، ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنة وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم ".

(6) حجز المفترقين عن ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم : فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل ابل الرجل عن إبله، قالوا يا رسول الله : أتعرفنا ؟ قال : نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركمـ تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول : يا رب هؤلاء أصحابي فيجيبني فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك ) منقول والله يحفظكم ويرعاكم مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .



رد مع اقتباس