عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
محمد التواما
عضو مميز
رقم العضوية : 29590
تاريخ التسجيل : 26 - 07 - 2008
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 933 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : محمد التواما is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
إضاءات حول الحب والغزل

كُتب : [ 26 - 08 - 2008 ]

من حرّم الكلام في الحُب ؟؟

والله الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة ، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي ، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار، هو الذي ربط بالحب القلبَ بالقلب ..
ولولا الحب ما التفَّ الغصن على الغصن في الغابة النائية ، ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيدة ، ولا حنى الجبل على الرابية الوادعة ، ولا أمدَّ الينبوع الجدول السّاعي نحو البحر...
ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض ، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع ، ولا كانت الحياة..

ما في الحب من شيء ولا على المحبين سبيل ، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه أو يُضيِّع خُلقه ، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنةٍ في جهنّم .

هل يجوز لنا الكلام في الحب ونحن مسلمون ؟؟ ومن حرم الكلام في الحب ؟؟ أولم يؤلف ثلاثة من أعلام الإسلام ثلاثة كتب في الحب كتاب الزهرة لابن داوود الظاهري ، وروضه المحبين لابن القيم وطوق الحمامة لابن حزم .
هو عالم من العواطف ، ودنيا من الشعور ، فيها كل عجيب وغريب ، وليس لنا إليه إلا هذه الكوّة الضيقة ، الكلمة القصيرة ذات الحرفين : ( ح ) و( ب ) .. الحاء التي تمثل الحنان ، والباء التي تجعل الفم وهو ينطق بها كأنه متهئٌ لقبلة .. أ.هـ


ويقول الرافعي: لست أفهم من معنى الحب إلا أن الروح اهتدت إلى شيء من سر الإنسانية في إنسان جميل قد استطاع بجماله أن يهديها إلى هذا السر.. أ.هـ

وانظر إلى الفقيه أبو السائب المخزومي .. وهو يتعلق بأستار الكعبة ، ويقول: اللهم ارحم العاشقين وقوِّ قلوبهم، وأعطِف عليهم قلوب المعشوقين ..

وذكر ابن القيم في " الروضة " أن النبي عليه السلام مرّ بجارية تتغنى بهذا البيت :


هل عليّ ويحكما ... إن هويتُ من حرج


فقال عليه السلام : " لا حرج إن شاء الله " ... وقد فسر كثير من السلف قوله تعالى : " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " بالعشق ولم يريدوا به التخصيص بل أرادوا التمثيل لأن العشق من تحميل ما لا يُطاق .

وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغى إلى كعب وهو يهدر في قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد وبصفات حسية منها …


وما سعاد غدة البين إذ برزت .... إلا أغنّ غضيض الطرف مكحول
هيفـاء مقبلة عجـزاء مدبرة .... لا يشتكـي قـصـر منهـا ولا طـول


وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بأبيات غزلية ومثله حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه يُصغي إلى إمام الغزليين عمر بن أبي ربيعة ويروي شعره - ومن لا يعرف عمر بن أبي ربيعة فعليه الرجوع إلى ديوانه ليرى العجب العجاب - .

وامتد الإعجاب بالشعر الغزلي إلى التابعين والفقهاء ، وإليك هذه النماذج :

الحسن البصري كان يردد في مجلس وعظه هذا البيت الغزلي :


اليوم عندك دَلها وحديثها ... وغداً لغيرك كفها والمعصم

وقد مرّ سعيد بن المسيّب على مغني يغني ( أي يُنشد ) وليس الغناء بمفهومه الآن كان يُغني بهذا البيت :


تضوع مسكاً بطن نعمان إن مَشَت ... به زينب في نسوة خفرات


فضرب برجله وقال : هذا والله مما يلذ استماعه ، ثم قال ثلاثة أبيات غزلية من هذا النوع لا يتسع المقام لذكرها

وهذا أبو السادات أسعد بن يحي السنجاري الفقيه الشافعي المتوفى سنة 622هـ له من الشعر الغزلي ما ترقص له القلوب وتطرب له الأرواح وهذا مطلع إحدى قصائده :


وهواك ما خطر السلو ببابه ... ولأنت أعلم في الغرام بحاله


ومثله الشيخ ظهير الدين الأهوازي الوزير الفقيه ، تلميذ أبي إسحاق الشيرازي الذي قال :


وإني لأبدي في هواك تجلداً ... وفي القلب مني لوعة وغليلُ
فلا تحسبَنْ أني سلوت فربما ... ترى صحة بالمرء وهـو عليـلُ


وكذلك الشيخ أبو القاسم القشيري العلامة بالفقه والتفسير والحديث وهو من فقهاء الشافعية يقول في قصيدة له غزلية :

ومن كان في طول الهوى ذاق لذةً ... فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شيء ذقته من وصالها ... أماني لم تصـدق كخطفـة بـارق

ومنهم القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور المتوفى سنة 422هـ فقد كان يتغزل بقوله :

ونائمة قبلتها فتنبهت ... وقالت تعالوا واطلبـوا اللـص بالحـدّ
فقلت لها إني فديتك غاصب ... وما حكمـوا في غاصب بسوى الرّدِ

إلى أن قال :

فباتت يميني وهي هِميان خصرها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد
فقالت : ألم تخبر بأنك زاهد ... فقلت : بلى ما زلت أزهد في الزهــد

وممن عُرفوا بالشعر الغزلي عروة بن أذينة الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك ، ومنهم أيضاً عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود احد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم فقد قال شعراً غزلياً بلغ الغاية في الروعة والجمال والجاذبية ، وكان إذا لقيه ابن المسيب فسألة أأنت الفقيه الشاعر ؟ قال : " لا بُد للمصدور أن ينفث " فلا يُنكر عليه ابن المسيب .


ومنهم محمد بن داوود الظاهري.. الفقيه العالم على مذهب أبيه داوود.. هو مؤلف كتاب "الزهرة" في الحب ماذا قال فيه:


أنزه في روض المحاسن مقلتي ....... وأمنع نفسي أن تنـال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ....... يصب على الصخر الأصم تهدما


ومنهم الفقيه العالم القاضي السياسي ابن حزم الأندلسي.. واضع كتاب طوق الحمامة المترجم إلى أكثر من لغة والذي يُدرس في مدارس حول العالم.. ماذا يقول في الحب:


فكما العقل واحد ليس يدري ... خالقا غير واحد رحمان
فكذا القلب واحد ليس يهوى ... غير فرد مباعد أو مدان


وها هو الأستاذ عباس العقاد من كبار المفكرين والأدباء.. الرجل الذي أخاف الأدباء والشعراء والساسة العظماء .. لجرأته والذي بلغت به الثقة أن قال: إن قلمي هذا يحطم اكبر رأس في مصر.. يقصد الملك فؤاد وقد سجن على إثرها تسعة أشهر..
انظر إليه وهو يقول في محبوبته التي أهدته بلوفر:


ألم أنل منك فكرة .. في كل شكة إبرة
وكـل عقدة خيط .. وكــل جـرة بكرة


بعد كل هذا هل سينكر القوم على من يكتب في الحب وقضاياه ويتمثل بالقصائد الغزلية ويحرمها ويخرم بها مروءة المتغزل ؟!!

قال أحد الأدباء الفقهاء في وصف الغزل : " والغزل جمال القول وزينة الكلام ولغة القلب من لم يفهمه لم يكن من ذوي القلوب ، وهو صورة النفس من لم يجد فيه صورته لم يكن إلاجماداً " ... أ.هـ

ولكن من يفهم العشق ويقيم حدوده في زمن كثرة العشاق حتى صرنا نُصدر عشاقاً أكثر مما نصدر النفط والغاز وبات الحب يُباع بالكيلو والطن .. بل بمحيط الخصر وطول النحر ونجالة العيون .. لذا رخص ثمنه حتى سامه كل مُفلس ، وأختم بهذا البيت الذي لي تحفظ على مطلعه فقط ..

هذه جزء من مقالة الشيخ الاديب علي الطنطاوي رحمه الله


ما العيش إلا أن تحب ... وأن يُحبك من تحبه


رد مع اقتباس