عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
Post رد : الشعر البدوي في مقدمة ابن خلدون

كُتب : [ 28 - 02 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول / روزينثال في هذا الخصوص :-

" الأشعار في الغالب صعبة الفهم وعلى عكس الموشحات والأزجال التي سنوردها أدناه التي عكف الدارسون المحدثون على دراستها، فإن الأشعار الهلالية لم تلق أي عناية وهي تشكل مصدراً أولياً قيماً لدراسة تاريخ اللغة العربية في شمال غرب أفريقيا ومن شروط دراستها - وهو ما لا يتوفر لهذا المترجم مع الأسف - معرفة اللهجات العربية المعاصرة في شمال غرب أفريقيا، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بمعايشة من يتكلمونها بشكل يومي ولعدة سنين؛ علما بأن ذلك قد لا يكون مفيداً بالدرجة المأمولة، وهذا ما لا يمكن التحقق منه إلا من خلال التجربة والنسخ المطبوعة غير مفيدة فيما يتعلق بهذه النصوص الشعرية التصحيحات التي يمكننا أن نجريها عليها بعد الرجوع إلى المخطوطات الأصلية أكثر مما يمكننا إيراده هنا، وهو ما نبهنا عليه في بعض الحالات فقط، وبمساعدة النصوص الصحيحة الواردة في المخطوطات لم تعد مهمة الترجمة مستحيلة كما يعتقد دو سلان لكن محاولتنا هنا - التي غالباً ما تقتفي أثر دو سلان الريادي - ليس مضمونة في معظم الحالات، وفي مواضع كثيرة لا تقتصر فقط على تلك التي وضعنا حولها علامات استفهام ويا حبذا لو تم نشر هذه النصوص الشعرية بعد كتابتها كتابة صوتية صحيحة على يد أهل الاختصاص في هذا الميدان الكتابة الصوتية التي أوردناها هنا في الحواشي اعتمدنا فيها ما أمكن على النطق الفصيح وتورعنا عن المجازفة ومحاولة تخمين كتابتها وفق نطقها العامي ".

ولا شك أنه من المفيد لمن يريد تحقيق هذه الأشعار لو أنه يجيد لهجة شمال أفريقيا، كما يقول روزينثال ولكن من المفيد أيضاً الرجوع إلى مخطوطات ابن خلدون الأصلية لإستبعاد ما وقع فيه النساخ المتأخرون من تصحيفات وتحريفات، وكذلك الاستعانة بخبرات المتخصصين في دراسة لغة الشعر النبطي وأوزانه، الذي يعد من الناحية الفنية والأدبية أقرب تقليد شعري معاصر لتلك الأشعار الهلالية المنقرضة هذا الشرط الأخير لن يساعد فقط في تصحيح الأخطاء التي اقترفها المتأخرون من النساخ، بل أيضاً تلك التي يحتمل أن ابن خلدون نفسه وقع فيها؛ إذ أنني عند العودة إلى بعض النسخ المخطوطة من المقدمة بدأ يساورني الشك في أن ابن خلدون ربما لم يمكن متمكناً كل التمكن من فهم ما يخطه قلمه من أشعار بدوية؛ لذا يحتاج تحقيق هذا الفصل من المقدمة إلى متخصص له معرفة بالشعر النبطي ولغته ليتمكن من توجيه المعنى وإقامة الوزن في الأشعار الهلالية وكتابتها كتابة صحيحة وشرحها شرحاً دقيقاً، نظراً لقربها من الشعر النبطي في اللغة والبناء الفني .

وقد أتيحت لي فرصة الإطلاع على مصورات لصفحات هذا الجزء من المقدمة صورت من ستة ميكرو فيلمات لست مخطوطات مختلفة؛ ثلاثة منها جاءت من المكتبة الوطنية بباريس، وهي تحمل الأرقام 1524، 5136، 1517، وهذه هي المخطوطات التي اعتمد عليها Quatremere وأشار لها بالحروف A,C,D وسوف استخدم هذه الحروف نفسها عند الإشارة لهذه المخطوطات في الأسطر التالية وقد حصلت على هذه الصور للمخطوطات الثلاث عن طريق قسم المخطوطات في مكتبة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض والميكرو فيلمات التي صورت منها هذه الأوراق موجودة في المركز تحت الأرقام 29718، 20896، 20884 . كما تكرم المركز وأمدني مشكوراً بصور للصفحات المطلوبة من مخطوطة عندهم تحمل الرقم 211، وهي بخط أحمد بن يوسف، ويعود تاريخ نسخها إلى سنة 1885م وتتألف من 236 صفحها مقاسها 33 × 21 سم، وعنوانها مكتوب بخط مختلف وهو " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر عبدالرحمن بن محمد بن خلدون " . وكتابة هذه المخطوطة جيدة وواضحة لكنها مليئة بالأخطاء، وهذا بلا شك عائد إلى أن تاريخ نسخها متأخر وسوف أرمز لهذه المخطوطة بالحرف B . كما أمدني قسم المخطوطات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بصور لصفحات من ميكروفيلم لمخطوطة عندهم تحمل الرقم 1026F . وتوجد النسخة الأصلية لهذه المخطوطة ضمن مجموعة أحمد الثالث Ahmad III الكائنة في مكتبة طوب قابوساراي في اسطنبول تحت الرقم 3042، وتتألف هذه المخطوطة من 297 صفحة كبيرة، كل منها يحتوي على 25 سطراً مكتوبة بالقلم العريض، ولم أعثر فيها على تاريخ النسخ وكتب عنوانها بخط مختلف وهو " الجلد الأول من تاريخ ابن خلدون المسمى بالمقدمة ". كما كتب على صفحة العنوان أن ملكية المخطوطة آلت إلى محمد بن عبدالرحمن الضارب في سنة 818 . وهذه من المخطوطات التي اعتمدها روزينثال في مقدمته وقال عنها : إنها " المخطوطة الوحيدة الباقية من بين المخطوطات القديمة التي تتضمن أقدم نصوص المقدمة " وسوف أشير لهذه المخطوطة بالحرف E . كما أمدني قسم المخطوطات بمكتبة جامعة الملك سعود بصورة لمخطوطة عندهم تحمل الرقم 589S ، وعدد صفحاتها 273 صفحة، لكن الصفحة الأخيرة فيها مفقودة، وهي الصفحة التي يكتب عليها عادة تاريخ النسخ واسم الناسخ وقد كتب عليها المسؤول عن قسم المخطوطات : أنها تعود إلى القرن التاسع الهجري وخطها جميل، لكن تصويرها غير واضح، وقد كتب الرقم 888 مرتين على الصفحة الأولى ولما قرنت الصفحة 266 من هذه المخطوطة مع الصفحة المصورة على صفحة 434 من الجزء الثالث من ترجمة روزينثال وجدتهما متطابقتين تماماً مما أكد لي أن هذه الصورة من مخطوطة ييني جامع إحدى المخطوطات التي اعتمد عليها روزينثال في ترجمته ووصفها بأنها تتتألف من 273 صفحة ونسخها عبدالله بن حسن بن الفخار ويعود تاريخها إلى 10 جمادى الأولى 799 هجرية لكن رداءة تصوير هذه المخطوطة المهمة لم يمكنني مع الأسف من الاستفادة منها كما هو مأمول، وسوف أرمز لها بالحرف F . والمخطوطتان الأخيرتان كلتاهما تحملان على صفحة العنوان ختم وقف السلطان أحمد خان بن غازي سلطان محمد خان .

وبمقارنة هذه المخطوطات وجدت المخطوطة A تحتل المرتبة الأولى من حيث القيمة ووضوح الخط، إضافة إلى أنها المخطوطة الوحيدة التي تتضمن قصيدة الشاعر الهلباوي التي لا تظهر في النسخ المطبوعة إلا عند Quatremere . ولا تقل عنها قيمة المخطوطة F لولا أن تصويرها الرديء لا يسمح بقراءتها بسهولة وخط المخطوطة E واضح دقيق لكنه ليس بجودة المخطوطتين السابقتين، كما أن التنقيط وعلامات التشكيل غالباً ما تحذف في هذه المخطوطة وفي المخطوطة A . والمخطوطة B كتبت بخط نسخي جميل لكنها تفتقد إلى دقةالمخطوطات الثلاث المذكورة آنفاً والكثير من الكلمات فيها إما ساقطة أو أخلفت عن الأصل والمخطوطة D كتبت بخط مغربي صغير الريشة، وهو خط مقروء لكن الكثير من الكلمات سقطت أما المخطوطة C فهي الأسوأ بين هذه المخطوطات إجمالاً، يمكننا القول : إن المخطوطات الثلاث : A. E. F تشكل قاعدة جيدة يمكن الاعتماد عليها للتحقيق أما المخطوطات الثلاث الأخرى فيمكن الرجوع إليها كمصادر ثانوية خصوصاً D . C .

وقد تأكد لدي بعد فحص هذه المخطوطات أن معرفة ابن خلدون بلغة الشعر البدوي وأساليبه لم تكن عميقة كل العمق، أو من المحتمل أن ذاكرته لم تسعفه، إن كان اعتمد في نقل الأشعار على ذاكرته، أو أن المصادر الخطية التي اقتبس منها هذه الأشعار، إن كانت مصادره خطية، لم تكن جيدة، أو أن النساخ الذين اعتمد عليهم لم تكن لهم دراية بهذا الشعر وقد وجدت الكثير من الأبيات لا تستقيم وزناً ولا معنى مما يدل على أنها دونت بطريقة خاطئة وهذا مما يجعل مهمة تصحيح هذه الأشعار وتحقيقها مهمة في غاية الصعوبة، حيث أن المشكلة لم تعد مشكلة تصحيف أو تحريف بقدر ما هي أخطاء في الأصل ليس أمامنا في مثل هذه الحال إلا أن نوظف معرفتنا في الشعر النبطي لشحذ إدراكنا وتوجيه إحساسنا في محاولتنا لترميم النص واستعادة الشكل الصحيح للكلمات المدونة خطأ وإرجاعها إلى أصلها المفقود ومعناها المقصود وكلما كان المحقق ضليعاً ومتمكناً من لغة الشعر النبطي وأوزانه وصوره ومجازاته واستعاراته كان أقدر على النهوض بهذه المهمة نظراً للعلاقة التي تربط بين هذين الموروثين .

باختصار، فإن تحقيق الأشعار الهلالية والبدوية التي وردت في مقدمة ابن خلدون يتطلب الرجوع إلى المخطوطات الأصلية والتمرس في لغة الشعر النبطي / البدوي ومعرفة لهجة عرب الشمال الأفريقي ( حسب اقتراح روزينثال ) وأنا شخصياً ينقصني الشرط الثالث ولكن مع ذلك فإن توافرالشرطين الأولين يمكن أن يؤدي إلى نتائج لا بأس بها ولا يسمح المقام هنا بتطبيق هذا الإجراء عملياً على كامل النصوص الشعرية، ولذا سوف نقتصر في المعالجة على ثلاثة نصوص فقط هي : قصيدة المرأة الحورانية، وقصيدة الشاعر الهلباوي، خصوصاً أن هاتين القصيدتين هما أقرب النماذج للشعرالنبطي وأن قصيدة الهلباوي لم تنشر إلا عند Quatremere . والنص الثالث هو مطلع القصيدة التي وجهها / خالد بن حمزة بن عمر إلى شبل بن مسكيانه بن مهلهل وهذا المطلع يعاني من بعض الأخطاء التي يمكن تصحيحها بسهولة لمن يعرف لغة الشعر النبطي، وهي تصحيحات بديهية حالماً تنصح للقارئ يقبلها بدون تردد . يقدم ابن خلدون مقطوعة المرأة الحورانية قائلاً : ومن شعر عرب البرية بالشام ثم بنواحي حوران لامرأة قتل زوجها :-

تقول فتاة الحي أم سلامه
= بعينٍ أراع الله من لا رثى لها

تبيت طول الليل ما تالف الكرى
= موجعة كن السفافي مجالها

على ما جرى في دارها وا عنا لها
= بلحظة عينٍ غير البين حالها

فقدتوا شهاب الدين يا قيس كلمأنا
= ونمتوا عن أخذ الثار ما ذا وفالها

نجد في المخطوطات الأصلية أن كلمة " السفا " في عجز البيت الثاني كتبت صحيحة لكنها تغيرت في المخطوطات المتأخرة، خصوصاً إذا نقلت عن أصل غير منقط، إلى " الشفا "، لأن النساخ المتأخرين لا يعرفون كلمة " السفا " ومن الواضح أن " السفا " هي المقصودة، بمعنى أن عينيها تؤلمانها من قلة النوم لحزنها على فقد زوجها، كما لو أن سف سنابل القمح سقط فيها، وهذا تعبير لا يزال شائعاً عند شعراء النبط وبنفس المعنى العبارة الأخيرة في صدر البيت الثالث غير منقطة في المخطوطات الأصلية، وحيث إن النساخ فهموا أن المرأة تبكي زوجها المقتول، أبو أولادها، فإن المتأخرين منهم وجه المعنى بطريقة تتفق مع هذا الفهم، خصوصاً وأن العبارة تأتي بعد عبارة " في دارها "، فكتبها بعضهم " وأبو عيالها " والبعض الآخر كتبها " وعيالها " لكن الصيغة اللفظية، وتعني العناء والشقاء وترتيب الكلمات في عجز البيت الثالث ورد في المخطوطات الأصلية كما أثبتناه هنا، وهو الترتيب الصحيح من حيث الوزن والمعنى ( إلا أن كلمة " عين " سقطت في المخطوطة C ) لكن هذا الترتيب يختل في المخطوطات المتأخرة فنجده مثلاً في B يصبح " بلحظة عين البين غير حالها " العبارة الأخيرة في البيت الرابع كتبت " ماذا مقالها " في كل النسخ المطبوعة ما عدا Quatremere وكتبت في المخطوطة B " ما لي وما لها " لكن يبدو لي أن المعنى المقصود هو التبكيت كما لو كانت الزوجة تؤنب قومها قائلة لهم " ما هذا بوفاء منكم لها " والضمير في " لها " يعود إلى مآثر زوجها وكرمه وأعماله الجليلة تجاههم وقد فهم معظم النساخ مصراع البيت الخامس على أنه يشير إلى " كتاب " أو " مكتوب " ( ربما من قبيلة قيس يعدونها بأخذ الثأر لزوجها أو يخبرونها بأنهم أخذوا بثأره فعلا ) لكنني في تحقيقي للقصيدة وجهت المعنى وجهة أخرى وفهمت أن الكلمة لا تشير إلى " كتاب " وإنما إلى " كتائب " الخيل المغيرة التي كان يقودها زوجها ضد أعدائهم فسقط في ميدان المعركة فهرب عنه قومه ولم يثنوا خيلهم دونه لإظهاره والدفاع عنه فالمرأة، وفق هذا المعنى، تقول لو أن كتائب خيل قومها " ردت "، أي ارتداد وحاولت إنقاذ زوجها، لسرها ذلك هذه القراءة، وكذلك قراءة " ماذا وفا لها " في البيت السابق، تتفق مع الكثير من المرثيات في الشعر النبطي التي تسجل حوادث مماثلة ومن أشهرها مرثية عبطا التي ترثي فيها مقتل أبيها بنية الجربا على يد فرسان عنزة بعدما هرب عنه قومه، تقول :-

جمع حباله ثم لمه وشاله
= وتقنطرت من كثر الإقفا والإقبال

عزاه يا ذيب السبايا جفاله
= يا نعم والله يا أهل الخيل خيال

يا ما عطى من كل قبا سلاله
= سباقة الغاره من الخيل مشوال

يا ما شربتوا من حلاوي دلاله
= وقت القسا يرخص لكم غالي المال

يا ما نحا بالسيف من صعب قاله
= ويا ما لطم من دونكم كل من عال

ما أحدٍ زرق رمحه ولا أحدٍ ثنى له
= ما حصل عنده عركةٍ تسمح البال

والكلمة الأولى في البيت الأخير من قصيدة الحورانية تكتب " أياحين" أو " حين " حتى في المخطوطات الأصلية ولكن معنى البيت لا يستقيم إلا إذا قرأناها " يا حيف "، وهي كلمة معروفة ترد كثيراً في الشعر النبطي للتعبير عن الأسى والأسف والتبكيت، تقول الشاعرة لقومها : " يا حيف " أي تباً لكم كيف تطلقون شعوركم التي ترمز للرجولة والنخوة والشجاعة وأنتم عاجزون عن الذب عن محارمكم .

أما قصيدة الشاعر الهلباوي فقد قلنا : إنها لا توجد إلا في مخطوطة Huseyin Celebi793 المودعة في مكتبة Orhan Cami في Burssa في تركيا، وفي النسخ التي نقلت عنها لاحقاً مثل المخطوطة التي رمزنا لها بالحرف A أعلاه وقلنا : إنها إحدى المخطوطات التي اعتمدها Quatremere في تحقيقه للمقدمة، وهو الوحيد من بين النسخ المطبوعة الذي تظهر عنده قصيدة الهلباوي ويقدم ابن خلدون قصيدة الهلباوي قائلاً : ولبعض الجذاميين من أعراب مصر من قبيلة هلبا منهم :-

يقول الرديني والرديني صادق
= يهيي بيوتٍ محكماتٍ طرايف

ألا أيها الغادي إلى عيدهيه
= جماليةٍ ملوا النساع اللطايف

عليها غلامٍ لا يرى النوم مغنم
= عظيم الغنا ندبٍ بالأخبار عارف

إذا حيت لي من حي هلبا جماعه
= برازيةٍ أشراف للحرب زايف

ولي من بني دراد كل مجرب
= كفاهم إلهي معظمات التلايف

أتاني مع الخطار علم مطوح
= تفريق سباتٍ وارٍ مخالف

وأنا كيف أقر الضيم وأنتم جماعه
= على كل صهالٍ طويل المعارف

أويا لو إن رأي يضمكم
= ولو أن فيه المال والروح تالف

ولي من ولد عليا عبيد بن مالك
= بها شرفٍ عالي على الناس شارفٍ

وخلان صدقٍ من ضنا آل مسلم
= أميرٍ بهم حمله جميع الطوايف

في البيت الأول أضفت حرف الواو إلى " والرديني " وفي البيت السابع أضفت " أنا " إلى " وأنا كيف " . وقد قمت بهذه الإضافات لجزمي بأنها سقطت سهواً في المواقع المذكورة؛ لأن وجودها ضروري لإقامة الوزن والمعنى، ولأنها عادة ترد في الشعر النبطي على شكل صيغ لفظية ملتصقة دائماً مع بعضها وجاهزة للاستعمال الشعري كما أوردتها هنا والكلمة الأخيرة في صدر البيت الثاني ترد في المخطوطة " ايدهية " لكنني قلبتها إلى " عيدهية " وهي من الصفات المعروفة للإبل النجيبة وترد كثيراً في الشعر النبطي والكلمة قبل الأخيرة في عجز البيت وردت " اللساع " في المخطوطة لكنني قبلتها إلى " النساع " ومفردها " نسع " وهي حبال الرحل التي تشد إلى بطن الناقة وفي المخطوطة ترد الكلمة قبل الأخيرة في صدر البيت الثالث " اليوم " لكن كلمة " النوم " هي الأصح، أي أن المندوب الذي بعثه الشاعر بقصيدته يواصل السير بالسرى ولا ينام كما استبدلت كلمة " سات " التي ترد في المخطوطة بكلمة " سبات " أي شتائم واستبدلت كلمتي " ردا " في البيت التاسع وكلمة " ذرا " في البيت العاشر بالكلمتين " ولد "و " ضنا " أما صدر البيت الثامن فقد استعصى علي تقويمه .

ويقدم ابن خلدون قصيدة / خالد بن حمزة بقوله : " ومن أشعار المتأخرين منهم قول خالد بن حمزة بن عمر، شيخ الكعوب، من أولاد أبي الليل، يعاتب أقبالهم أولاد مهلهل ويجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلهل، عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه " :-

يقول وذا قول المصاب الذي نشا
= قوارع قيفان يعاني صعابها

يريح بها حال المصاب إلى انتقى
= فنون من انشاد القوافي عذابها

محبرةٍ مختارةٍ من نشادنا
= تجدني ليا نام الوشا ملتهى بها

مغربلةٍ عن ناقد في غضونها
= محكمة القيفان دابي ودابها

تهيض تذكاري بها يا ذوي الندى
= قوارع من شبل وهذا جوابها

يا شبل جتنا من حذاكم طرايف
= قرايح يريح الموجعين الغنا بها

فخرت ولم تقصر ولا أنت عادم
= سوى قلت في جمهوها ما أعابها

لقولك في ذم المسمى ابن حمزه
= حامي حماها عاد باني خرابها

ترتكب جميع النسخ المطبوعة في نقلها لهذه الأبيات أخطاء فاحشة لا يتسع المجال لذكرها كلها ومناقشتها، فقد قمت بتصحيحها وأكتفي هنا بالإشارة إلى بعض منها فلقد صححت مثلاً كلمة " قيعان " في الشطر الثاني من البيت الأول ومن البيت الثاني بكلمة لها معنى ودلالة وهي " قيفان " بمعنى قوافي، أي أبيات شعرية، وهي كلمة معروفة لدى شعراء النبط؛ كما صححت كلمة " فراح " في بداية الشطر الثاني من البيت السادس لتصبح " قرايح " أي أشعار من القريحة وفي النسخ المطبوعة يكتب صدر البيت الثاني " يريح بها حادي المصاب إذا سعى" ويكتب عجز البيت الثالث " تحدي بها تام الوشا ملتهابها " ويكتب صدر البيت السادس "اشيل جنينا من حباك طرايف " ويكتب صدر البيت الثامن " لقولك في أم المتين بن حمز" .

الشعر الهلالي والشعر النبطي :-

اختلف العلماء والمختصون حول القيمة التاريخية والطبيعة اللغوية والأدبية لهذه الأشعار الهلالية التي أوردها ابن خلدون فهذا الدكتور / عبدالحميد يونس يرى : أنها تمثل الإرهاصات الأولى لشعر السيرة، كما مر بنا أما علماء نجد والجزيرة العربية، فإنهم يرون : أنها تمثل المرحلة الانتقالية من الشعر الفصيح إلى الشعر النبطي وأول من ألمح إلى هذا الرأي وأوعز به / خالد الفرج في مقدمته لمجموعة ديوان النبط : مجموعة من الشعر العامي في نجد حيث يقول : " على أن أقدم ما وصل إلينا من الشعر العامي في نجد هو أشعار بني هلال وما أورده لهم ابن خلدون في مقدمته من أشعار لا تختلف عما هي عليه الآن أشعار أهل نجد " وقد دفع شيخنا أبو عبدالرحمن بن عقيل بهذه الفكرة إلى حدودها القصوى في تأكيده : أنه تم تصدير هذه الأشعار الهلالية من المغرب إلى الجزيرة العربية؛ لتصبح النواة التي أنبتت الشعر النبطي، أو هكذا يفهم من قوله :-

" لغة العرب في عصر ابن خلدون بالمغرب وغيره هي بداية للشعر العامي بلهجة أهل نجد وفد هذا الشعر العامي إلى نجد ولم يصدر منها، وتعشقته قبائل نجد بتأثير السحر الملحمي الأسطوري في أدب اللغة الهلالي في عهود الفروسية العربية واعتبرت هذا الشعر الهلالي العامي بداية البداية؛ لأن فيه ما ليس من عامية أهل نجد ".

وبعد أن يورد بعض النماذج من شعر بني هلال يردف ابن عقيل قائلاً :-

" إن شكل هذه القصائد ومنهجها هو المثال الذي احتذاه الشعر العامي بلهجة أهل نجد وبدراسة عاجلة للشعر الهلالي الذي دونه ابن خلدون أو دونته الأسطورة ثم مقارنة ذلك بالدراسة العاجلة للشعر العامي النجدي في بدايته، فإن نتيجة المقارنة تسلمنا إلى الجزم بأن الشعر العامي بلهجة أهل نجد وليد الشعر الهلالي العامي ". ومما عزز توهم علمائنا أن القصائد الهلالية التي أوردها ابن خلدون في مقدمته، تمثل في مجملها بدايات الشعر النبطي؛ ما ذكره في مقدمته عن الشعر البدوي، وما قاله عن الشبه بين النماذج التي أوردها منسوبة لبني هلال وبين الشعر العربي القديم، وتأكيده : أن شعر البدو في عصره يمثل امتداد طبيعياً للنمط الجاهلي في نظم الشعر ويوحي طرح ابن خلدون النظري وكما عبر عنه في مقدمته بأنه يتحدث عن الأشعار التي يتداولها أبناء البادية في الجزيرة العربية، خصوصاً وأنه يورد العديد من الأسماء لهذا الشعر في المشرق ( حوراني، قيسي، بدوي ) بينما لا يورد إلا اسماً واحداً من المغرب ( أصمعيات ) لكن ما ساقه من قصائد هلالية يؤكد : أن حديثه عن شعر البدو جاء بناءً على معايشته لبقايا بادية بني هلال في بلاد المغرب وليس بدو الجزيرة العربية بالذات الذين من المرجح : أن معرفته بهم آنذاك لم تكن مباشرة .

قصيدة المرأة الحورانية، وقصيدة الشاعر الهلباوي : هما المثالان الوحيدان اللذان يقتربان في لغتها من لغة الشعر النبطي، ويمكن اعتبارهما يمثلان المرحلة الانتقالية بينه وبين الشعر الفصيح ومما يسترعي الانتباه في أبيات الحورانية أمران؛ أولهما : أنها تنتسب إلى قيس، وأحد الأسماء التي أوردها ابن خلدون لهذا اللون من الشعر مسمى " قيسي " والأمر الآخر : أنها من منطقة حوران التي تنسب إليها بعض الألحان التي يغنى بها هذا الشعر كما يقول ابن خلدون في الاقتباس السابق " وربما يلحنون فيه ألحناً بسيطة لا على طريقة الصناعة الموسيقية ثم يغنون به ويسمون الغناء به باسم الحوراني نسبة إلى حوران وتؤكد مخطوطات المقدمة على أن المرأة الحورانية بدوية، وتقدم القصيدة بقولها " ومن شعر عرب البرية " وهذا مما يجعل من هذه الأبيات نصاً نفسياً دلالته بالغة الأهمية بالنسبة لنشأة الشعر النبطي وبداياته الأولى من أهم هذه الدلالات، وهذا ما ينطبق أيضاً على قصيدة الهلباوي : أن فصاحة هذا النص الذي يحتل موقعاً وسطاً بين الفصحى والعامية ليس مردها إلى التعليم والدراسة؛ لأن القائة بدوية أمية والبدو عادة لا يتعلمون في المدارس، وبالأخص نساءهم كما أن عامية النص ليس مردها إلى أن القائلة من النبط أو العجم، بل هي إعرابية من قيس نستطيع أن نقول بكل ثقة وإطمئنان : إننا أمام نص شفهي أبدعته قريحة أمية لغتها فطرية سليقية أي أن هذا النص يعكس حقيقة الوضع الذي كانت عليه لغة الشعر البدوي في ذلك العصر، وهي لغة لم تفقد تماماً كل مقومات الفصاحة، لكن شوائب العامية بدأت تظهر عليها بوضوح، لا من حيث النحو ولا من حيث المفردات والعبارات استقامة الوزن مثلاً تتطلب منا تشكيل بعض الكلمات وتحريكها حسب النظام الفصيح في النطق، وفي الوقت نفسه تحتم علينا استقامة الوزن نطق بعض الكلمات نطقاً عامياً هذا عدا بعض التراكيب والعبارات العامية مثل " كن السفا "," يا حيف "،" بيض العذارى "، الخ . كما أنها تتمشى من الناحية اللهجية مع كلام أهل الجزيرة، على خلاف القصائد الهلالية التي بدأت تظهر عليها سمات لهجة أهل المغرب وبحكم أن هذه المقطوعة جاءت من بادية حوران شمال الجزيرة العربية، فهي بذلك تكون أقرب النماذج إلى ما نسميه الآن بالشعر النبطي، ويمكن اعتبارها نموذجاً جيداً يمثل بدايات الشعر النبطي، ويعكس اللغة الشعرية بين بدو الجزيرة العربية في طور انتقالها من الفصحى إلى العامية وبقياس الماضي على الحاضر؛ فإن في حوران وإلى عهد قريب شعر لا يختلف عن شعر البادية في الجزيرة العربية إلا بقدر ما يمليه اختلاف اللهجة وقد قمت في عام 1993م بزيارة إلى منطقة السويداء وجبل العرب في سوريا وجمعت من هناك سوالف وأشعار، مما يدخل في صميم الموروث النبطي / البدوي في تعريفه الشمولي ونحن لا نعرف متى قتل الرجل الذي رثته زوجته الحورانية، لكن من المحتمل أن ذلك حدث قبل زمن ابن خلدون بفترة غير قصيرة وبذلك تكون هذه المقطوعة من أقدم النماذج التي وصلتنا من الشعر العامي من بادية الجزيرة العربية، وهي تقدم برهاناً قاطعاً على أنه في القرن الثامن الهجري، عصر ابن خلدون ( 732 – 808هـ ) كانت العامية قد طغت وأصبحت لغة الشعر في الصحراء العربية وبادية الشام وشيوع التسميات " قيسي " و " وحوراني " و " بدوي " بين أهل المشرق، كما يقول ابن خلدون، يفيد تفشي هذا الشعر الملحون قبل وقت ابن خلدون بين أبناء القبائل البدوية في شرق الجزيرة وشمالها، وبادية حوران هي المنطقة الفاصلة بين شمال الجزيرة وبلاد الشام ونسبة الشعر إلى قيس وحوران قد لا تخلو من دلالة لها أهميتها فمن المعروف لدى علماء العربية : أن منطقة حوران في شمال الجزيرة العربية ومنطقة البحرين في شرقها، حيث تسكن قبائل قيس، من مناطق الأطراف البعيدة عن مناطق الفصاحة القحة، والإستشهاد اللغوي في قلب الجزيرة العربية فمنذ أيام الجاهلية، كانت لغة عرب تلك المناطق لا يحتج بها ولا يعدون من العرب الفصحاء بمقاييس النحويين القدماء وعلماء اللغة الكلاسيكيين وتدل الشواهد على أن اللحن بدأ يتفشى في عربية سكان تلك الأطراف قبل نجد ووسط الجزيرة، وكان كلامهم أسرع في التحول من النسق الفصيح إلى النسق العامي، ولكن هذا لا ينفي أن أصل الشعر النبطي عربي، وأنه امتداد للشعر العربي القديم، ولا يمت للأنباط بصلة؛ لأن القبائل التي جاءتنا منها أقدم نماذجه قبائل عربية وليست نبطية، وإن " فسدت " لغتها هذا عدا كون هذه النماذج تمثل مرحلة انتقال طبيعية متدرجة من الفصحى إلى العامية ويؤكد ابن خلدون : أن حوران من منازل عرب البادية ومساكنهم، بمعنى : أنه حتى لو جاء هذا الشعر من منطقة حوران التي تقع على أطراف العراق ومشارف الشام، فإن من يتعاطونه وينظمونه ويتغنون به هم من عرب البادية الأقحاح ولسوا من الأنباط ولا من شعراء الحاضرة كما تشير المسميات " قيسي "و" بدوي " على عروبة هذا الشعر وأعرابيته، فلا أحد يشك في بداوة قبائل قيس ولا يطعن في انتمائها إلى الجنس العربي .

خواطر ختامية :-

وفي الختام لنا أن نتساءل عن حقيقة العلاقة اللغوية والأدبية بين المقطوعات الهلالية في المقدمة، وبين بدايات الشعر النبطي؛ إذ ليس هنالك ما يشير ولو من بعيد إلى أن عرب الجزيرة على علم بها، ولا نعلم أنه كانت هناك وسائل اتصال مباشر بين بدو المشرق وبدو المغرب، وما ينتج عن ذلك من عمليات التثاقف والاحتكاك لكن هذا لا ينفي وجود الشبه بين المقطوعات الشعرية الهلالية التي أوردها ابن خلدون، وبين شعر بادية الجزيرة العربية في ذلك الوقت لو تمعنا في أقدم النماذج التي وصلتنا من الشعر النبطي وقارناها بنماذج الشعر الهلالي التي أوردها ابن خلدون لوجدنا تشابهاً ملحوظاً في اللغة ونظام القوافي والعروض، ولوجدنا أنها كلها قيلت على البحر المشتق من الطويل الذي يسميه أهل نجد الهلالي، وهذه التسمية يطلقونها على كل ما هو قديم موغل في القدم ( كانت نظرة أهل نجد المتأخرين إلى بني هلال لا تختلف عن نظرة العرب القدماء إلى قوم عاد ) إلا أن هذا التشابه في نظري لا يعني : أن الشعر الهلالي الذي ورد في مقدمة ابن خلدون هو الأصل الذي نشأ منه الشعر النبطي، لكنه يعني : أنهما فرعان انحدراء من أصل واحد هو الشعر العربي الفصيح، وأنهما سارا في بداية نشأتهما وتطورهما في طريقين متقاربين متوازيين، ثم بدأ يتباعدان شيئاً فشيئاً من حيث اللغة والشكل والوظائف والمضامين حتى افترقا؛ ليتحول أحدهما فيما بعد إلى ما نسميه الآن الشعر النبطي أما الفرع الآخر الذي ترعرع بين بني هلال في المغرب العربي، فإنه انقسم بدوره إلى شعر قصصي يمثل بدايات السيرة الهلالية، وشعر ذاتي تاريخي يمثل البذرة التي نبت منها الشعر الملحون الذي ابتعدت لغته كثيراً عن لغة الشعر النبطي ومع التسليم بهذه النتيجة، فإنه ما زال بإمكاننا الاستفادة من تفحص الشعر الهلالي القديم الذي أورده ابن خلدون في تلمس بدايات الشعر النبطي، والأجواء اللغوية والاجتماعية التي نشأ فيها، وذلك لقربهما من بعضهما في بداية نشأتهما، ولكونهما انحدرا من أصل واحد ولا أدل على ذلك من أن ابن خلدون يدمج قصيدة برمتها تنتمي إلى إرث شعري واحد ويسوق ابن خلدون ملاحظات شكلية تنطبق على الشعر الهلالي بنفس المصداقية التي تنطبق بها على الشعر النبطي والقصائد التي جاءت في المقدمة تؤكد دقة ملاحظات ابن خلدون، وعلى مدى التشابه بين الأشعار الهلالية والأشعار النبطية القديمة، مع فوارق في اللهجة لا تخفى على عين البصير باللغة ومن أوجه الشبه البارزة بين شعر بني هلال في المغرب والنماذج القديمة من الشعر النبطي : أن ذكر الديار مربوط بذكر الخيل والنعم والحسناوات اللّاتي كان الشاعر يسامرهن ويتلهى بمداعبتهن، كما في قصيدة / علي بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بني عامر، وقصيدة / سلطان بن مظفر بن يحيى من الذواودة وهذا موضوع تقليدي يكثر الشعراء النبطيون من طرقه، ونجد الكثير من الأمثلة عليه ولكن ماذا عن الأشعار التي تدخل في فلك السيرة، وما علاقتها بالمقطعات التي كانت متداولة تداولاً شفهياً بين أبناء الجزيرة العربية حتى عهد قريب، وينسبوها إلى بني هلال ؟ ما علاقة هذه المقطعات الشفهية بما أورده ابن خلدون، وهل يمكن الاعتماد عليها كنماذج تمثل بدايات الشعر النبطي، ومرحلة الإنتقال من النسق الفصيح إلى النسق العامي في لغة شعر البادية في الجزيرة العربية ؟ ما أورده ابن خلدون من أشعار السيرة الهلالية يشكل النواة التي نشأته منها هذه الملحمة العربية التي أصبحت رواياتها فيما بعد تتداخل على امتداد الوطن العربي كله، بما في ذلك الجزيرة العربية، قصة / الجازية بنت سرحان مع الشريف شكر التي ذكرها ابن خلدون في الجزء السادس من تاريخه لا تزال قيد التداول الشفهي عندنا في نجد الزناتي خليفة وذياب بن غانم وحسن بن سرحان لا تزال أسماؤهم تتردد على ألسنة الرواة في مختلف أنحاء الجزيرة العربية ومع ذلك تبقى القصائد الهلالية المتداولة في نجد شيئاً مختلفاً عما سجله ابن خلدون، مثلما تختلف روايات السيرة الهلالية من بلد عربي إلى بلد عربي آخر والمقطعات الهلالية المتداولة في نجد، شأنها شأن ما شاكلها من أشعار الضياغم وما يدور في فلكها من صنف أشعار شايع الأمسح وغيره، لا يصح الاعتماد عليها في تأريخ بدايات الشعر النبطي وتتبع مراحل نموه وتطوره، وذلك نظراً لطبيعتها الشفهية والأسطورية الأشعار التي وصلتنا عن طريق الرواية الشفهية فقط لا يمكن الاعتماد عليها كأساس قوي لتأريخ الشعر النبطي، خصوصاً إذا كانت هذه الأشعار مما تبدو عليه المسحة الأسطورية أو الروائية وكلما كان الشاعر موغلاً في القدم وكلما أحكم في القدم وكلما أحكم النسج الأسطوري حول شخصيته إزداد شكنا في صحة نسبة أشعاره وفي قيمتها كمصدر للبحث في نشأة الشعر النبطي ومراحل تطوره اللغوية والفنية وحتى لو سلمنا بصحة نسبة قصيدة من القصائد القديمة إلى قائلها المزعوم، فإن عدم ثباتها لفظياً عن طريق الرواية الشفهية يجعلنا في شكل وحذر من الاعتماد عليها كنموذج يمثل الواقع اللغوي والأدبي للعصر الذي يفترض أنها قيلت فيه ومما يقوي شكنا في نسبة بعض الأشعار النبطية إلى القدماء أننا نجد أبياتاً تروى باللهجة العامية وتنسب إلى شخصيات من العصر الجاهلي مثل : كليب والمهلهل وجساس وعنترة وقد جمعت بنفسي الكثير من هذه الأشعار من الراوية / سعود بن جلعود من أهالي سميرا قرب حايل هذا يقودنا إلى مسالة مهمة تتعلق بقيمة النص بوصفه شاهداً تاريخياً ولغوياً على عصره إذا كان قائل القصيدة شخصاً حقيقياً له وجود تاريخي ووصلتنا القصيدة عن طريق الثبت الكتابي أو التسجيل الصوتي بالشكل اللغوي الذي قيلت فيه أصلاً، دون أن ينالها أي تحريف أو تغيير؛ فإنه لا أحد يشك في قيمتها كشاهد لغوي وتاريخي أما إذا لم تدون القصيدة واعتمدت في وجودها وتداولها على الرواية الشفهية، فإنها تصبح عرضة للتحريف والتغيير اللغوي وتعدد الروايات والاختلاف في نسبتها إلى قائلها وكلما ابتعدت القصيدة زمانياً ومكانياً عن قائلها الأصلي تراكمت التغيرات التي تطرأ عليها وأصبح تحقيقها وردها إلى أصلها أمراً متعذراً، مما يضع ظلالاً من الشك حول قيمتها كشاهد لغوي وتاريخي أما إذا نحل الرواة لسبب أو لآخر، قصيدة ونسبوها لشخصية حقيقية لها وجود تاريخي، فإنه لا يعتد بهذه القصيدة من الناحية التاريخية؛ إلا إذا أردنا أن نبحث في البواعث والظروف السياسية والاجتماعية الداعية إلى نحلها كما أن القصيدة المنحولة لا تصلح شاهداً لغوياً على لغة عصر قائلها المزعوم؛ لكنها قد تصح شاهداً على لغة العصر الذي نحلت فيه، وقد تختلف عن لغة القائل المزعوم بحسب قربها أو بعدها زمانياً عن عصره أي أن النحل يفقد النص قيمته التاريخية، لكنه مع ذلك يبقى شاهداً يمثل الواقع اللغوي والأدبي للعصر الذي نحل فيه فالقصائد التي يرويها العامة عندنا في نجد تحت عهد قريب وينسبونها إلى المهلهل وكليب وجساس لا علاقة لها إطلاقاً من الناحية اللغوية ( ولا التاريخية ) لهذه الشخصيات، وإنما هي نماذج من لغة العصر الذي نحلت فيه، أو بالأحرى لغة العصر الذي تم فيه تدوينها أو تسجيلها صوتياً، وقد تختلف عن اللغة التي تم فيها الانتحال أصلاً فمن الممكن مثلاً أن تعيش شخصية في الجاهلية مثل عنترة بن شداد، وبعد تفشي العاميات يقول الرواة والقصاصون الشعبيون أشعاراً على لسان عنترة باللهجة العامية ويتداول الناس هذه الأشعار ويتوارثونها عن طريق الرواية الشفهية لعدة قرون وتتعرض جراء ذلك لتغيرات لغوية تنأى بها عن الأصل المنحول، ثم يأتي بعد ذلك من يدونها برواية العصر الذي تم فيه التدوين ولغته التي تختلف عن لغة الرواة الأقدمين الذين نحلوها أصلاً وهي بدورها تختلف عن اللغة التي كان يتكلم بها قائلها المزعوم عنترة وينظم بها شعره هذه الاحترازات العلمية تفرض علينا التريث في قبول ما ينشر في بعض المصادر المطبوعة على أنه نماذج من الشعر النبطي القديم خصوصاً في حالة عدم نص الجامع على مصادره التي استقى منها هذه النماذج، أو في حالة كون هذه المصادر شفهية، أو حتى مصادر خطية نسخت في أوقات متأخرة .

الـــمراجـــــع :-

مخطوطات المقدمة :-

ميكروفيلم رقم 1524، قسم المخطوطات، المكتبة الوطنية، باريس .
ميكروفيلم رقم 1517، قسم المخطوطات، المكتبة الوطنية، باريس .
ميكروفيلم رقم 5136، قسم المخطوطات، المكتبة الوطنية، باريس .
ميكروفيلم رقم 20884، قسم المخطوطات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض .
ميكروفيلم رقم 20896، قسم المخطوطات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض .
ميكروفيلم رقم 29718، قسم المخطوطات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض .
مخطوطة رقم 2111، قسم المخطوطات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض .
مخطوطة رقم F 1026، قسم المخطوطات، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض .
مخطوطة رقم S 589، قسم المخطوطات، جامعة الملك سعود، الرياض . هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .




التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 27 - 09 - 2009 الساعة 13:59
رد مع اقتباس