بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى عن الإبل في سورة الغاشية : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) جاء في تفسير ابن كثير فإن خلقها عجيب وتركيبها غريب وهي في غاية القوة والشدة ومع ذلك تنقاد للضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها وكان / شريح القاضي يقول اخرجوا بنا حتى ننظر الإبل كيف خلقت وللإبل خصوصية لا نجدها في غيرها من الحيوانات الأخرى ومن ذلك تعظيم الله لها في كتابة حيث قال : " أقلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " ثم قال بعد ذلك : " وإلى السماء كيف رفعت, وإلى الحبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت " ومن هذا التعظيم أن قدمها الله سبحانه على السماء التي امتلأت بالمجرات العملاقة وعظمة الجبال الراسيات وعظمة الأرض التي تحمل هذه الرواسي العظام ومن خصوصية الإبل أنه لا يوجد حيوان سواها يستطيع أن يقوم بما تقوم به في الصحارى القفار والمهامة التي توحي للمار بها أنه يسمع زجل الجنة وترانيمها وصبرها على العطش والجوع فكأنها خلقت لجزيرة العرب وما شاكلها من مناطق تحمل صفاتها البيئة الجغرافية ولذلك كانت للإبل في الجزيرة العربية خصوصا مكانة لم يحظ بها حيوان عند أمة من الأمم ولم تأت هذه المكانة من فراغ فالناقة والبعير يمثلان الحياة بمفهومها الشامل عند البادية والحاضرة في شبه الجزيرة العربية ذلك أن الإبل رفيقة العربي في جميع أوقاته وربما قضى من الوقت معها أكثر مما يقضيه مع أخدانه وأحبابه فهي رفيقته وأنيسته في أسفاره وسفينته في إبحاره في الصحاري ولربما اقتضت الضرورة بأن يقسو عليها في أسفاره غير مبغض لها ولا كاره وإنما ليدفع عن قليه الهم وجسمه السقم كما قال / المتنبي :-
لا أبغض العيس لكني وقيت بها
= قلبي من الهم أو جسمي من السقم
طرقت من مصر أيديها بأرجلها
= حتى مرقن بنا من جوش والعلم
نبرى بهن نعام الدو مسرجة
= تعارض الجدل والمرخاة باللحم
ومكعومة في سياط القوم نطردها
= عن منبت العشب نبغى منبت الكرم
ومع هذا تجدها صابرة محتملة لكل هذا الجهد راعية لذمام صاحبها غير ملتفتة لذلك كله لأن الذي بينها وبينه من الصداقة والود والمعروف يجعل تلك القسوة مبررة عندها ويكفيها فخرا أنه يفاخر بها في كل موطن شعرا ونثرا كما قال / المتنبي :-
أرأيت همة ناقتي في ناقة
= نقلت يدا سرحا وخفا مجمرا
تركت دخان الرمث في أوطانها
= طلبا لقوم يوقدون العنبرا
وتكرمت ركباتها عن مبرك
= تقعان فيه وليس مسكا أذفرا
فأتتك دامية الأظل كأنما
= حذيت قوائمها العقيق الأحمرا
ولا يمكن إغفال دور الإبل في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلمه وحربه فهذه القصواء كانت من نعم بني الحريش وقيل : قشير اشتراها الصديق وأخرى معها بثمانمائة درهم فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعمائة درهم فكانت عنده حتى ماتت وهاجر عليها وكانت رباعية عندما هاجر عليها صلى الله عليه وسلم وكانت لا تسبق حتى جاء أعرابي على جمل له فسابقها فسبقها فشق ذلك على المسلمين وقالوا سبقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنه حق على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه ) وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح عشرون ويراح إليه كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن فكان فيها لقائح منها الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والدباء وكانت تقول أم سلمة رضى الله عنها : ( وكان عيشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن ) أو قالت : أكثر عيشنا على نسائه فكانت لي منها لقحة تدعي العريس وكنا منها فيما شئنا من اللبن ولعائشة رضي الله تعالى عنها لقحة ولقحة تدعى السمراء غريزة ولم تكن كلقحتى فقرب راعيهن اللقاح إلى مرعى بناحية الجوانية فكانت تروح على أبياتنا فنؤتي بهما فتحلبان فتوجد لقحته تعني النبي صلى الله عليه وسلم أغزر منها بمثل لبنها أو أكثر ومما يروي أن / الضحاك بن سفيان الكلابي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى بردة لم أر من الإبل شيئا قط أحسن منها وتحلب وما تحلب لقحتان عزيرتان فكانت تروح على أبياتنا يرعاها راعيا بأحد مرة وبالجماء مرة ثم يأوي بها إلى منزلنا معه ملء ثوبه مما يسقط من الشجر وما يهش من الشجر فتبيت في علف حتى الصباح فربما حلبت على أضيافه فيشربون حتى ينهلوا غبوقا ويفرق على البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فضل ويروى أنه كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبع لقائح تكون بذي الجدر وتكون بالجماء فكان لبنها ويؤوب إلى أهل بيته ومنها لقحة تدعى مهرة ولقحة تدعى الشقراء ولقحة تدعى الدباء فكانت مهرة أرسل بها / سعد بن عبادة من نعم بني عقيل وكانت غزيرة وكانت الشقراء والدباء ابتاعهما بسوق النبط من بني عامر وكانت بردة والسمراء والعريس واليسيره والحنا يحلبن ويراح إليه بلبنهن كل ليلة وكان فيها غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسار وعندما نتحدث عن الإبل لا نستطيع أن نتجاوز دورها في توحيد المملكة العربية السعودية حيث اعتمد عليها الملك / عبدالعزيز رحمه الله في فتوحاته التي شملت كافة أنحاء هذه البلاد ولقد استطاعت مفردات اللغة العربية إلى جانب الشعر والمثل أن تحمل إلينا صورة واضحة عن الإبل وهيئاتها وصفاتها وأعمارها وألوانها وسيرها وطباعها, كما كشفت كذلك عن الصلة الوثيقة بين العرب وهذا النوع من الحيوان الذي اعتمد عليه في سلمه وحربه وحله وترحاله وهذه الورقة تحاول أن ترسم بعض ملامح هذا الحيوان من خلال ما جاء في التراث اللغوي والأدبي عند العرب . منقول بتصرف يسير مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .