الموضوع: وقفة مع النفس
عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
bojalmood
عضو
رقم العضوية : 1139
تاريخ التسجيل : 28 - 04 - 2004
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 20 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : bojalmood is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
Smile وقفة مع النفس

كُتب : [ 09 - 06 - 2004 ]

وقفة مع النفس


لئن كانت الإشادة المتسرعة بأنظمة الحياة في الغرب تنطوي على تزييف ومبالغة على أقل تقدير فإن التهوين من أثر الإسلام في أرتقاء المسلمين ينطوي على مكابرة وإجحاف بحق الدين الحنيف . ويكفي أن يتذكر المرء هنا كيف أن مجئ الإسلام كان فاتحة خير لأهله ، وبداية عهد جديد انتقل فيه العرب وغيرهم من مرتبة وضيعة إلى مكانة رفيعة بكرامة الإنسان . فبفضل العقيدة السمحة تحول الناس من مستنقع الشرك وتعدد الآلهة إلى نعمة الإيمان والتوحيد ، وانتقل أهل الدين من حياة الظلم والظلام إلى دنيا العقل والرحمة والنور . ولا حجة على الإسلام في تذبذب حياة المسلمين أو تدهور أحوالهم في أزمان لاحقة على ظهور الدين القيم ، وذلك لأن هذا لا يجحد في سلامة المبادئ التي دعا إليها الإسلام بقدر ما يعيب على أهل الدين أنفسهم تفريطهم بتعاليم العقيدة أو تقاعسهم عن استلهام المبادئ التي يحثهم عليها .

ومهما يكن الأمر ، فإن الراصد للأحداث المأسوية التي تجري اليوم على الساحة العربية والإسلامية والدولية يلحظ بوضوح تام وجود مفارقات صارخة على أكثر من صعيد ... بل أزعم أن كثيرا من الأفكار والمفاهيم والنظريات التي ارتضاها الغرب منهجا لحياته ، وعمل على الترويج لها باتت بحاجة إلى تمحيص أو تعديل على أقل تقدير .

فمهما بالغنا في تقديرنا للحضارة الغربية إلا أننا نتشكك تماما في قدرتها على إيجاد توازن حقيقي بين المتطلبات المادية للإنسان ونداءاته الروحية ، ناهيك عن فشل الغرب في إحلال السلام وإحقاق الحق وإعلاء قيم العدل والإخاء والمساواة . بل الأدهى هو أنه حتى لو استطاع الغرب أن يوجد في ربوعه قدرا معقولا من تلك المبادئ السامية إلا أنه يظل ينكر على الآخرين توفير قدر مماثل من القيم والمبادئ في مجتمعات وثقافات أخرى ، ولقد تقع مأساة بالفعل حين يسعى الغرب إلى إنكار حق الآخرين في الحياة وفق أديانهم وثقافاتهم وأساليب الحياة التي أرتضوها لأنفسهم . ولك أن تتصور الخطأ الفادح أو الجريمة التي ترتكب لو أن الغرب وضع "مواصفات قياسية" ، يحدد لآخرين بمقتضاها ما يجب أن تكون عليه أديانهم وثقافاتهم وأشكال سلوكهم .

نعم ، لعلك تستطيع أن تتصور حجم الظلم والقهر والدمار الذي يترتب على قبول ثقافات معينة أو رفضها من زاوية غربية صرف ، فإباحة أشكال معينة من السلوك أو تحريمها يتمان في ضوء القيم الاجتماعية السائدة في الغرب ، والويل والثبور لكل من يتجاسر على نبذ المواصفات القياسية التي أقرتها "العولمة" إذ إن تهمة الإرهاب سوف تكون ثابتة في حق كل من يتجرأ على المناقشة أو التشكيك في جدوى الثقافة الغربية .

ولقد تبلغ المأساة أقصاها عندما يتم تعديل بنود "المواصفات القياسية" لمجرد أن ثقافة بعينها رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا . وقد تدعو ثقافة الغرب زمرة من مفكريها من أجل البحث في دستور "العولمة" عن نص يدين الإسلام ، وحين لا يكون هناك نص في "العولمة" يجرم الإسلام فإنه لا بأس من الأخذ بأحد أمرين : فإما أن يضاف إلى الإسلام ما ليس فيه وإما أن يضاف إلى "العولمة" ما ليس فيها .

وسواء تم العثور في ثقافة الغرب على تهمة مناسبة للإسلام أو استعصى إدخال بند جديد على دستور "العولمة" يدين الإسلام ، فإن "الأصول" تقتضي أن يكون فهم الناس كلهم للإسلام متسقا مع فهم الغرب له . فالغرب يرى أن رؤيته إلى أمور الدين عند الغير هي الصائبة ، وأن تفسيره للعقائد هو الصحيح ، وأن لغة "القوة" هي البديل المناسب للغة "الحوار" في معظم الأحيان ، فلا أهل مكة أهل مكة ، ولا أهل مكة أدرى بشعابها .

ها نحن نلمس تناقضات على مستوى الأقوال والأفعال تصدر عن زعماء كبار يتغنون بالحرية وبحق الشعوب في الكفاح وتقرير المصير ، وها نحن نرى رأي العين تباينا عظيما بين الشعار والسلوك ، حتى لقد أصبحنا نكتشف في كل يوم دليلا جديدا على وجود تعارض بين الأقوال والفعال ، بين المبادئ والمصالح ، وبين المثال والواقع ، وبين تمجيد الديمقراطية كمنجز حضاري وخلقي وإنساني ، وبين الممارسة الفعلية للقمع والإرهاب والقتل والتدمير . لقد بات واضحا اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، أن رفع الشعارات لا يعني تطبيقها على صعيد الواقع ، وأن التغني بالديمقراطية والحرية والمساواة وحق الشعوب في الكفاح وتحقيق الإستقلال قد يجد تعبيرا في ارتكاب المجازر وممارسة القمع والإرهاب بكل وحشية .


رد مع اقتباس