أثبتت النكتة أنها الوحيدة القادرة (على مر العصور) على التعبير عن الشارع العربي بكل همومه وتطلعاته وآلامه وآماله، وهي كما يرى فرويد إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية لمواجهة الضغوط الناجمة عن العالم الخارجي، ومن هنا جاء اهتمام السياسيين والقادة بما يدور بين العامة من نكت وطرائف فقد كان للرئيس المصري جمال عبدالناصر (والشعب المصري معروف بروح الدعابة والنكتة) كان له وحدة في المخابرات تعنى برصد النكات المتداولة بين الشعب لتحديد اتجاهات تفكير الجماهير.
ولم يتوقف الشارع العربي عند استخدام النكتة للتعبير عن الاتجاهات بل تجاوز ذلك إلى الرقص على جراحه بها فأصبح يضحك ويسخر بها من آلامه، ولعل النكات التي تداولها الشارع العربي في واحدة من أحلك قضاياه وأكثرها بؤسا وهي قضية احتلال الكويت وسقوط صدام أكبر دليل على ذلك.
والشعب السعودي كما يبدو ليس بمعزل عن هذا الأمر فقد اتجه مؤخرا إلى النكتة للهروب من مشاكله ومعاناته ابتداء من البطالة ووعود ديوان الخدمة ووزارة العمل التي لم تحل المشكلة وانتهاء بموجة الغلاء ووهم زيادة الرواتب لمواجهة هذه المشكلة فجعل من النكتة متنفسا لما هو فيه ومحاولة للتغلب عليه.
ويبدو أن النكات الشعبية التي كانت تتداول بشكل شفوي قبل ظهور الجوال وانتشار المسجات، لها رد فعل قوي وتأثير كبير على المسؤولين وصنّاع القرار ، فقد وصل الحال بأحد الرؤساء العرب بعد انتشار موجة عارمة من النكت في إحدى الحقب التاريخية كرد فعل شعبي على إحدى هزائمه أن اعتلى المنبر ليخاطب شعبه بقوله (كفاية نكت) .
ولعل شخصية (أيوب الصابر السعودي) الأسطورية التي ابتكرها السعوديون مؤخرا و اشتهرت بنكاتها ومؤلفاتها الساخرة في الغلاء وارتفاع الأسعار والزيادات، أحد الحلول التي ابتكرها الشارع السعودي لمواجهة مشكلة الغلاء وضعف الرواتب وخوفه من الفقر والعوز. فقد بدأت جوالات السعوديين تتداول هذه النكات بشكل لافت حتى إذا وصلت أحدهم واحدة من هذه النكت وهو عند محاسب السوبر ماركت يضرب أخماسا بأسداس نتيجة ارتفاع قيمة مشترياته، جلجلت ضحكته من عمق الأزمة وقد يمرر الجوال إلى من خلفه في الطابور ليضحكوا جميعهم متقاسمين هم المعاناة